الإرهاب في ليبيا

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

نشرت وسائل الإعلام البريطانية تفاصيل تحقيقات شرطة مانشستر في الهجوم الإرهابي، وأنها ما زالت تريد استجواب ستة متهمين، أولهما والدا الارهابي الذي فجر نفسه في حفل موسيقي بساحة مانشستر عام 2017 ليقتل أكثر من عشرين شخصاً ويصيب المئات. لم تكن الشرطة تريد الكشف عن أسماء هؤلاء، لكن وسائل الإعلام تحدتها أمام القضاء لتكشف عن المشتبه فيهم الذين تورطوا مع سلمان عبدي غير شقيقه هاشم الذي حوكم في بريطانيا بعد استرداده من ليبيا.

 دعوى الشرطة في حجب الأسماء، التي لم تقنع القاضي، هي أن إعلان الأسماء قد يعيق تحقيقات الشرطة. إنما الأقرب للواقع أن هؤلاء االإرهابيين المشتبه فيهم هم في ليبيا، وتحديداً هم جزء من ميليشيات السلطة الحاكمة في طرابلس التي تدعمها بريطانيا. 

 والأجهزة البريطانية تعرف ذلك، فرمضان عبدي والد سلمان وهاشم أصلا حصل على اللجوء في بريطانيا في زمن حكم العقيد القذافي لأنه كان نشطاً في جماعة اعتبرتها ليبيا وقتها إرهابية واحتضنت بريطانيا الكثير من عناصرها.

 بل إن رمضان عبدي عاد إلى ليبيا من مانشستر هو وزوجته، وما زال حتى الآن يحصل على مئات الجنيهات شهرياً من أموال دافعي الضرائب البريطانيين بينما هو يقاتل ضمن ميليشيات ما تسمى «الجماعة الاسلامية المقاتلة» في ليبيا والمعروفة بعلاقتها بتنظيم القاعدة الإرهابي ومن قياداتها الارهابي عبد الحكيم بلحاج ومن مرشديها علي الصلابي المقيم في قطر.

 ولم يكن نشاط تلك الجماعات الارهابية الليبية في مانشستر خفياً على الأجهزة البريطانية، لكنها تعاملت معهم كما تتعامل مع جماعات إرهابية أخرى، ومنهم قيادات إخوانية بارزة.

 بل إن وسائل الإعلام البريطانية نشرت صور بعض هؤلاء المشتبه فيهم في ليبيا وهم يقاتلون ضمن ميليشيات حكومة طرابلس، مثل إلياس المهدي المنضوي تحت ما تسمى «كتائب بركان الغضب» الإرهابية التي تقاتل ضد الجيش الوطني الليبي.

 ما كشفته وسائل الإعلام البريطانية عن ارتباط من قاموا بأعمال إرهابية في بريطانيا قتلت العشرات بميليشيات الإرهاب في ليبيا ليس بجديد، إنما القاء الضوء عليه مجدداً يعيد للنقاش جدوى السياسة البريطانية «المهادنة» مع الجماعات الإرهابية لأهداف سياسية خارجية. والمشكلة الأساسية لدى المؤسسة الراسخة في بريطانيا هي التصرف على أساس أن تلك الجماعات ستصل إلى السلطة يوما في المنطقة وبالتالي من المهم الحفاظ على علاقة معها.

 وفي حالة ليبيا تحديداً، لا تريد بريطانيا أن تخسر احتمالات تحقيق مصالح مادية من علاقاتها بالجماعات الإرهابية التي تشكل الميليشيات الحاكمة في طرابلس. وهناك تاريخ لذلك التوجه، ليس فقط من قبل السياسيين بل حتى من قبل الأجهزة، يعود إلى ثمانينات القرن الماضي. فمقتل الشرطية إيفون فلتشر أمام السفارة الليبية في لندن برصاص من داخل السفارة كان بداية عملية ابتزاز بريطانية طويلة الأمد للحكومة الليبية حصلت من خلاله على الملايين. ذلك رغم أن الأجهزة تعرف من أول تحقيق من هو المتهم الليبي بقتل الشرطية البريطانية.

وجاء تفجير مانشستر الإرهابي كاشفاً مدى اتساع رقعة الإرهاب الليبي في بريطانيا، وارتباطه بكل الجماعات الإرهابية الخارجة من عباءة الإخوان. 

 المشكلة في بريطانيا أنه رغم كشف الإعلام لأسماء المشتبه فيهم فمسألة دعم بريطانيا للميليشيات التي ينتمون إليها في ليبيا لا تثار إلا حين تقع كارثة، ثم تخفت بعد ذلك. وبالتالي لا يستمر ضغط الرأي العام على الحكومة لتتخذ موقفاً مغايراً في سياستها المهادنة لتلك الميليشيات الإرهابية. صحيح أن الجمهور البريطاني قد لا يهمه كثيراً من يحكم في ليبيا، ولا مصلحة الشعب الليبي، لكنه بالتأكيد معني بخطر الإرهاب الذي قد يتعرض له داخل بريطانيا. ونتيجة سياسة الحكومة، التي لا تمانع في إيواء عناصر إرهابية تحت مظلة اللجوء أو غيره، ينصب غضب الرأي العام البريطاني على المسلمين والعرب في بريطانيا المسالمين والمتلزمين بالقانون.

 وحين يحاول أحد توضيح خطر تلك السياسة البريطانية حتى على النسيج الاجتماعي البريطاني نفسه لا يجد آذاناً صاغية لا في الإعلام ولا بين النخبة السياسية. وتتعرض تلك الأصوات القليلة لهجوم أقصى اليمين – وكأنها تبرر للعنف والميليشيات – وأقصى اليسار بدعوى الليبرالية وحقوق الإنسان وحق اللجوء. وهذا ما يتيح للحكومة الاستمرار في سياستها التي تتصور أنها تحقق لها مصالح أكبر بالاحتفاظ بعلاقة مع تلك التيارات غير آبهة بالخطر الذي تشكله حتى على الداخل البريطاني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"