نفايات الأغنياء إلى الفقراء

23:19 مساء
قراءة دقيقتين

علي قباجه

تصر الدول الغربية المتقدمة صناعياً على استخدام أساليبها الخارجة عن أُطر العرف «الإنساني»، والعمل بعكس ما تتغنى به في المحافل الدوليّة، حتى لو كلفها الأمر التطاول على القوانين المعمول بها دولياً وإقليمياً، خصوصاً وأنّ أداة قياسها الوحيد هو إشباع مصالحها، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها: التخلص من النفايات ونواتج صناعاتها في دول أخرى في جنوب شرق قارة آسيا.

 الكثافة السكانيّة للدول الصناعية في الغرب لا تُمثل سوى 16% من العالم، لكنها تنتج أكثر من ثُلث نفايات إجمالي ما يُخلِّفه العالم بأَسره والذي يُقدر بأكثر من ملياري طن من النفايات الصلبة، ونظراً لأن تكلفة مُعالجة هذه النفايات أغلى من التصدير، فضلاً عن تشديد القوانين المُتعلقة بالبيئة في الدول المُتقدمة مقارنة مع الدول الأكثر فقراً، تلجأ الدول الصناعية إلى التخلص منها خارج حدودها، إضافة إلى تهريبها لقارة أخرى بغرض الحرق بعيداً عن أعين القوانين التي تحكم زمام سياساتها.

 وبتسليط الضوء عن كثب على ممارسات هذه الدول الغربية الصناعية عالمياً، تُظهر جُملة من التقارير الدوليّة في هذا السيّاق أرقاماً مهولة بتجاوزات لنفايات مشحونة تُلقى - بغيّر وّجه حق - في دول أخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما تلقّته دول جنوب شرق آسيا على مدار عقود طويلة من الزمان من شحناتٍ لنفايات قادمة من الغرب، ما أدى إلى تكدسها في موانئ هذه البلدان وشواطئها، الأمر الذي جعل من الفلبين وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند تبدو وكأنها مكبٌّ للنفايات الغربية. هذا مع الأخذ بعيّن الاعتبار أنّ 9% فقط من النّفايات البلاستيكية على مستوى العالم تتمّ إعادة تدويرها، فيما أنّ معظم ما يتبقى من مُخلفات صناعيّة غربيّة يتمّ ترحيلها إلى مكبات النفايات الكائنة في جنوب شرق آسيا وتحديداً في الدول الآنف ذكرها، حيثُ يتم حرقها بشكل غير قانوني كونها نفايات غير قابلة للتدوير، ما يعني التسبب في أزمة بيئية كبرى تعصف بهذه الدول.

 لكن دول جنوب شرق آسيا لم تسكت إزاء هذا الأمر فبعد أنّ عانت دوله مُجتمعةً الأمرين حيال هذه الإلقاءات العبثيّة للنفايات قررت إعادة النظر فيما يحدث، مُعيدةً بدوّرها أطناناً للنفايات الغربيّة إلى مصدرها الذي جاءت منه، في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا بل وأستراليا، وغيرها من الدول التي لم تتوان للحظة في تصدير شحناتها الضخمة من القمامة والمخلفات الصناعيّة لهذه البلدان.

 وفي ضوء كل ما سبق من إحصاءات، ومما لا شك فيه أن العالم الغربي يجري لاهثاً وراء تلبيةَ مصالحه الجمّة، ولن يتغير نهجه على مر التاريخ، لذا يتوجب دق ناقوس الخطر العاجل في الدول التي تُصنف بكونها «دول العالم الثالث» ودعوتها للاتحاد والرفض الجماعي المُطلق لاستخدامها كمكب نفايات، وعلى عاتقها كذلك تقع مسؤولية التوّحد الحاسم لاتخاذ رد فعل دوليّ يُخطر به الغرب، بُغيّة التحذير من وبال هذا الأمر عليها على الصعد كافة بيئياً وسياحياً وصحياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"