«الإفريقانية» تعود مجدداً

23:49 مساء
قراءة دقيقتين

 

يرجح بعض المراقبين عودة محتملة لفكرة «الإفريقانية» لتقود مسيرة التكامل والتنمية في دول القارة في مرحلتها الراهنة، وتشكل المرجعية الفكرية لمنظمة الوحدة الإفريقية، خاصة بعد زوال الأسباب التي كانت تعوق تطبيق هذه الفكرة الخلاقة، بعد ظهورها الأول خلال حقبتي الخمسينات والستينات.
و«الإفريقانية» ليست فكرة عنصرية، كما يمكن أن يوحي بذلك اسمها، ولا هي دعوة للانغلاق والعزلة عن العالم؛ بل هي على عكس ذلك تماماً. وأبرز ظهورها إطاراً مرجعياً كانت تحتاجه إفريقيا لتوحيد نضالات كل مكوناتها العرقية والثقافية والاجتماعية لمناهضة الحكم العنصري في جنوب إفريقيا، واستكمال استقلال دول القارة التي كانت ترزح تحت الاستعمار الغربي، وتعزيز التضامن والتكامل لتحقيق التنمية الشاملة لدول القارة وشعوبها.
ويقول الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنجور، وهو أحد أبرز رواد «الإفريقانية»، في تعريف الفكرة، إنها اجتماع تكاملي من قيم العروبة وقيم الزنوجة. هذا الاجتماع الحضاري الثقافي، يستند إلى ركيزة راسخة تتمثل في المصير المشترك الذي ربط على مدى العصور، بين الشعوب الزنجية والشعوب العربية.
وتحدث سنجور عن روابط وقيم ثقافية، جغرافية وأنطولوجية عميقة الجذور، وقال إن إدراك هذه الروابط بالشكل الصحيح هو الخطوة الأولى الضرورية لأي تقدم في الطريق إلى الوحدة.
وفي السودان عبّرت فكرة «الإفريقانية» عن نفسها في إطار حركة ثقافية أطلق عليها «مدرسة الغابة والصحراء»، ضمت شعراء وتشكيليين أصبحوا في ما بعد رموز الفن العالمي، بينما وجدت الفكرة تعبيرها في زعامة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر التي استوعبت تطلعات وآمال أبناء القارة بعنصريها العربي والزنجي.
وبهذا المفهوم، فإن إفريقيا هي الروح المشتركة لأبنائها من العرب والزنج، والتعاون بين هذين الجناحين العملاقين للطائر الإفريقي هو قدر وحتمية تاريخية.
وفي هذا الصدد، فإن الإحصاءات تؤكد أن العرب في إفريقيا الشمالية يشكلون ما يزيد على 60% من سكان العالم العربي كله، وذلك يعني أن أكثر من نصف سكان العالم العربي كله من أبناء إفريقيا، ويعني أيضاً أن ثلث الأفارقة المهاجرين هم عرب، حيث إن أهالي إفريقيا الشمالية يشكلون حوالي 30% من مجموع سكان القارة.
لقد كان التدخل الأيديولوجي اليساري واليميني والتدخلات السوفييتية الأمريكية والاستعمارية في دول القارة، من العوامل الرئيسية في تراجع فكرة «الإفريقانية» وتقليص تأثيرها في السياسات القومية. لكن الفكرة ما تزال حية وتزداد الحاجة إليها.
وإضافة إلى الانتشار الواسع للغة العربية التي تولدت منها لغات إفريقية عديدة مثل السواحلية والهوساوية وغيرها، بسبب تفاعل العوامل الجغرافية والروابط التاريخية، فإن عدد المسلمين من العنصر الزنجي يزيد كثيراً على عدد المسلمين من العنصر العربي في القارتين الإفريقية والآسيوية، كما أن المسيحية التي تدين بها شعوب إفريقية عديدة، أصلها عربي. فالديانات السماوية الكبرى، هي عوامل توحيد ودعم لكرة «الإفريقانية» نفسها.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"