عادي

العراق وسوريا.. عودة «داعش»

23:46 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور *

الهجمات شبه اليومية التي يشنها تنظيم «داعش» في العراق وسوريا تطرح بإلحاح سؤالاً كان يبدو لكثير من المراقبين، تطورات الأحداث قد تجاوزته: هل عاد «داعش» إلى الحياة؟

بعد هزيمة التنظيم في الموصل (7/20) وغيرها من المدن والبلدات العراقية.. ثم تدمير عاصمته في الرقة «شمالي سوريا».. ومن ثم هزيمته في آخر معاقله في «الباغوز» على الحدود السورية – العراقية (مارس/آذار 2019)، وتحطيم العمود الفقري لقواته المقاتلة، وأسر الآلاف من رجاله، وفقدانه آخر مواقع سيطرته الميدانية، انتعشت آمال الكثير من المراقبين في أن التنظيم لن تقوم له قائمة من جديد في تلك المنطقة التي أقام فيها «دولته».. ففي مناطق سيطرته في شمال وغربي العراق وشمالي وشرق سوريا. وجاء إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن قتل أبي بكر البغدادي زعيم التنظيم (في أكتوبر 2019)؛ ليعزز هذه التوقعات.

 وبدهي أن المحللين والخبراء لم يتوقعوا أن ينتهي «داعش» تماماً في منطقة سيطرته السابقة؛ بل توقعوا أن يتم تنظيم فلوله الهاربة بصورة أو بأخرى، على شكل «خلايا نائمة» أو عصابات صغيرة تشن هجمات متفرقة هنا وهناك.. وأن تقوم القوات النظامية العراقية والسورية وقوات التحالف الدولي و«قسد» بمطاردة هذه الفلول بصورة مستمرة وتصفيتها تدريجياً.

 ثغرات في مكافحة الإرهاب

غير أن تطورات الأحداث – وآخرها: الهجومان اللذان قام بهما «داعش» على موقعين عسكريين بالقرب من العاصمة العراقية بغداد يومي الأحد والاثنين الماضيين، وذهب ضحيتهما 15 قتيلاً بين عسكري ومدني – جاءت لتثبت أن هذه التحليلات كانت متسرعة، وأن جهود مكافحة الإرهاب لم تكن على المستوى المطلوب؛ لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية مترابطة.. كما أن التحليلات التي تنبأت بنهاية «داعش» الوشيكة لم تضع في اعتبارها القدرات التنظيمية الكبيرة التي تمكن «داعش» من قراءتها خلال سنوات نشاطه.. ومن ناحية أخرى، فقد لعبت الظروف الجغرافية والإقليمية والإرادات المتعارضة لبعض الأطراف دوراً سلبياً استفاد منه «داعش» كثيراً.

 ففي العراق لم يتم استثمار الانتصارات العسكرية في الموصل وغيرها في استكمال تطهير المناطق المحررة من عناصر «داعش»، وتعبئة كل إمكانات البلاد في هذه الاتجاه، ولعب الصراع السياسي دوره في إضعاف قدرة البلاد على حشد قواها بأفضل صورة، سواء كان الصراع على النفوذ بين إيران وأمريكا، أو الصراع بين الفصائل والأحزاب الموالية لكل من الطرفين. ومن ناحية أخرى، فإن السلوك الطائفي لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران كان له دوره في إضعاف تعاون أقسام من العشائر السنية في تطهير مناطق انتشار فلول «داعش» الهاربة.. ويجب أن نلاحظ أن العشائر المحافظة بالذات قد لعبت دور الحاضنة الاجتماعية ل«داعش» في بداية ظهوره، خاصة مع بروز الطابع الطائفي المتعصب.. كما أن «داعش» نفسه قد مارس إرهابه الوحشي ضد كل من يتعاون مع الحكومة بأي شكل.

ونظراً لأن أغلب مناطق انتشار التنظيم «وخاصة محافظات الأنبار وديالي ونينوي وصلاح الدين» تتسم بتضاريسها الوعرة، فضلاً عن المساحة الشاسعة، فقد كانت لدى «داعش» فرصة مواتية لإخفاء مقاتليه وأسلحته في كهوف ومخابئ المناطق المذكورة.

ومن ناحية أخرى، فإن حدود العراق الغربية «مع سوريا» كانت لا تزال مفتوحة أمام فلول «داعش» الهاربة من المطاردة، واللجوء إلى مناطق سيطرة التنظيم في سوريا عبر الحدود الطويلة، ثم العودة إلى العراق؛ لشن الهجمات، وبالمناسبة فإن السيطرة على الحدود لا تزال غير محكمة حتى الآن.

 فسيفساء شرق الفرات 

 أما بالنسبة لسوريا فعلى الرغم من الجهود الكبيرة الذي قامت به «قسد» في القتال ضد «داعش»، بدعم يثير للجدل – من جانب التحالف الغربي وعلى الرغم من قتل وأسر الآلاف من أعضاء التنظيم في معركة «الباغوز».. فإن آلافاً آخرين قد تمكنوا من الهرب، والانتشار في المناطق الحدودية الوعرة، أو التسلل إلى العراق، أو الاختفاء في صفوف العشائر الموجودة في المنطقة.

 كما كان لمعسكر «الركبان» وبالأخص لقاعدة التنف الأمريكية الدور البارز في إخفاء أو عبور أعضاء التنظيم.

 سياسة «قسد» القومية المتطرفة تجاه الأغلبية العشائرية العربية في منطقة شرق الفرات (70% من السكان) كان لها دورها في إثارة نفور العشائر العربية من التعاون العسكري الفاعل مع القيادات الكردية، التي مارست – ولا تزال – استعلاء قومياً واضحاً واستئثاراً بالسلطة والمواد النفطية والمساعدات، وتجنيداً بالإكراه للشباب في صفوف قواتها؛ بل وإحراقاً لحقول الفلاحين العرب كنوع من العقاب والتخريب، ومضت «قسد» بعيداً في هذه السياسة اعتماداً على دعم القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، والتي عقدت معها اتفاقاً؛ لاستخراج وتصدير نفطها..

 التناقض القومي هنا (عرب/ أكراد) لعب دوره في التأثير سلبياً على كفاءة مواجهة الإرهاب في الشرق السوري. وقد سبقت الإشارة إلى أن العشائر العربية المحافظة (السنية) كانت حاضنة اجتماعية ل«داعش» في بداية انتشاره شرقي الفرات، كما انتظم بعض أبنائها في صفوف «داعش» طوعاً أو كرهاً، أثناء وجوده وكان لدى هؤلاء بالطبع فرصة أكثر في الاحتفاء وسط عشائرهم.. علماً بأن الإرهاب الوحشي كان دائماً سلاحاً استخدمه «داعش» ضد العشائر في حالة تعاونها مع «قسد» أو «التحالف» أو الجيش السوري فيما بعد.. وكذلك في الحصول على مأوى أو إتاوات..  كما أدى انسحاب القوات الأمريكية في المنطقة (أواخر عام 2018) ثم عودتها بعدد أقل إلى خشية السكان من مجاهرة «داعش» العداء..

 وجاء الغزو التركي للشمال السوري وقصف سجون «داعش» والمخيمات التي تعتقلهم فيها «قسد»؛ ليساعد على هروب مئات من الإرهابيين.

 إعادة تنظيم الصفوف

 وهكذا أصبح لدى «داعش» نحو عشرة آلاف مقاتل في العراق.. والآلاف في سوريا، وبرهنت قيادة التنظيم على كفاءة عالية في إعادة تنظيم صفوفها في عصابات كبيرة نسبياً.. وتجميعهم؛ لشن هجمات كبيرة على مواقع عكسرية ومدنية سورية وعراقية، ليعودوا بعدها إلى قواعدهم بسرعة، ما أعطاهم فاعلية كبيرة في شن الهجمات الخاطفة.. علماً بأن التنظيم يمتلك جهازاً كبيراً من المخبرين.. كما أنه يستفيد جيداً من شبكة الإنترنت في التواصل بين قياداته وأعضائه.

 وهكذا أصبح «داعش» في سوريا والعراق قوة عسكرية لا يستهان بها - وقادرة على مهاجمة ضواحي بغداد – على الرغم من أنه لا يملك سيطرة ميدانية كالسابق.

ويفرض هذا الوضع مواجهة عاجلة تتسم بالحسم والشمول؛ من خلال مواجهة الثغرات التي أشرنا إليها..

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"