عادي

الأم رمز للعطاء.. فماذا عن الأب؟

22:26 مساء
قراءة 4 دقائق
الأم رمز العطاء

تحقيق: مها عادل

العطاء قيمة إنسانية ومفهوم اقترن في أذهاننا جميعاً منذ الصغر بالأمومة، فالأم، والأنثى بشكل عام، طالما تم ربطها ووصفها في التراث الشعبي والثقافي بالأرض التي هي مصدر الحياة والخير والنماء والعطاء الذي لا ينتهي. وكثيراً ما يثير هذا التعميم حفيظة بعض الرجال والآباء الذين يشعرون بأن هذا التصنيف يسبب لهم شيئاً من الغبن والظلم والتجاهل لدورهم في حياة عائلاتهم وأبنائهم، ويؤكدون أن للأب والزوج قدرة فائقة على العطاء، ولكنها ربما تتخذ الشكل المادي والاقتصادي، ما يجعلها أقل في البريق من العطاء الأنثوي الذي يختلط بالعاطفة ومشاعر الحب والحنان.

في هذا التحقيق، نتعرف أكثر إلى آراء وأفكار مجموعة من الآباء والأمهات عن مفهوم العطاء بالنسبة لهم، وهل هو مقترن بالأم فقط أم أنه طبيعة بشرية تختلف من شخص لآخر حسب الموقف والظروف؟.

سحر علي «ربة بيت» تقول: «بالطبع الأمومة هي مصدر العطاء، وهذا ليس مفهوماً حديثاً ولكنه متوارث منذ عرفنا الحياة وهذا ما شهدناه جميعاً منذ الصغر في تجربتنا مع أمهاتنا ولا يستطيع أي رجل أن ينكر عطاء أمه، وفضلها عليه مهما بلغ حبه وارتباطه بوالده، فالثقافة في مجتمعاتنا العربية كلها تقدس دور الأم لما يمثله من عطاء وتضحية من دون مقابل لأبنائها وأسرتها،خاصة أن الأب أغلب الوقت يكون خارج المنزل. وهذا هو النموذج السائد لصورة الأب الشرقي الذي قد لا يحتمل قضاء وقت طويل بالبيت مع أسرته ولا يتمتع في الغالب بطاقة كبيرة لتحمل مشاكل الأبناء وخلافاتهم اليومية ومشاكل الدراسة وهمومها فعادة ما تلقى أعباء التربية والرعاية البدنية والنفسية على الأمهات. 

 التنشئة الاجتماعية

وتشير إلى دور التنشئة الاجتماعية في هذا الجانب، قائلة: الفتاة في مجتمعاتنا تنشأ على فكرة العطاء وخدمة من حولها والانتماء لبيتها وأسرتها، وكثيراً ما يلقى على عاتقها مسؤوليات لا يجب أن تقوم بها بمفردها، ولكنها تفعلها طواعية وحباً. وكثير من الأمهات يقمن بعدة أدوار في الوقت نفسه برضا وتفانٍ فقط لإسعاد أسرتها، فهي في رأيي النموذج الحي لكلمة العطاء على مر العصور.

حنان محمود موظفة بالشارقة تشاركنا أفكارها المستوحاة من تجربتها الشخصية وتقول:«وجدت مفهوم العطاء متوافراً منذ الطفولة من قبل أمي وأبي معاً، فكان التعاون في تحمل مسؤوليات البيت والأسرة هو الأساس في علاقتهما، فكلاهما كان يعمل في وظيفة مرموقة يحرصان على أداء واجباتهما فيها بشكل كامل، ولذلك كانا يتغيبان عن البيت لفترات بسبب ظروف العمل، ولذلك فأهم المبادئ التي نشأنا عليها في البيت التعاون وتبادل الأدوار بيننا، فالعطاء لم يكن مقتصراً على شخص بعينه. وعندما كبرت أنا وإخوتي بدأنا نحصل على نصيبنا من هذه المهام أيضاً، ولم نفكر أبداً في هذا السؤال المتعلق بأيهما أكثر عطاء أمي أم أبي.

ويسترجع حازم كشك، موظف بدبي ذكرياته وتجربته بالحياة التي استخلص منها آراءه ويقول: «لا أستطيع أن أجزم من هو الأكثر عطاء بحياتي، ففي البيت أشهد أن زوجتي تمضي أغلب وقتها في رعاية الأبناء وإعداد الطعام والاهتمام بكل التفاصيل الخاصة بي وإعداد ملابسي ومراقبة دروس الأطفال، خاصة بعد أن أصبحت الدراسة عن بعد وهو ما يلقي على عاتقها مسؤوليات أكبر ولا أجدها تهتم بشراء مستلزمات لها بالقدر نفسه الذي تهتم به للتسوق لنفسها ولا تكاد تنام ساعات كافية حتى تلبي متطلبات كل فرد في الأسرة. والأمر في طفولتي كان مختلفاً إلى حد ما، فقد مررت بتجربة جعلتني أقدر عطاء الأب ودوره،إذ توفيت والدتي ونحن في سن مبكرة، وكنت وأخوتي أطفالاً تتراوح أعمارنا بين 11 و14 سنة وحدث تحول جذري في شؤون أسرتنا، حيث وجدت والدي يقوم بدور الأم والأب معاً بكثير من التفاني والرضا. ورفض أن يتزوج مجدداً وأن يترك مهمة رعايتنا لجدتي أو خالتي أو عمتي مثلاً وأصر على أن يمارس العطاء حتى منتهاه.

عطاء متشابه

يطلعنا د. أشرف العزب أستاذ علم الاجتماع عن رأي العلم والدراسات المتخصصة في هذا المجال قائلاً: لا فرق بين الذكر والأنثى فكلاهما سخي معطاء، ويتفقان فيما يمكن أن يطلق عليه العطاء الموقفي، بمعنى أن العطاء لا يمكن فهمه ولا تفسيره تفسيراً صحيحاً إلا في سياق موقف العطاء ذاته، وبناء على ذلك، قد يكون الرجل أكثر عطاء من المرأة في موقف ما والعكس صحيح. وإذا تعلق الأمر بموقف العطاء المادي كان الأب كراعٍ لأسرته ومدبراً لشؤونها المادية أكثر عطاء، أما إذا تعلق الأمر بعطاء العاطفة فالأم هي الأكثر سخاء. وهذا التفسير لم يستند إلى الموقف فقط، وإنما استند ضمنياً إلى مدى التزام أطراف موقف العطاء بمتطلبات أداء الأدوار، فالدور الاجتماعي كما عرفه علماء الاجتماع هو «السلوك المتوقع من شاغل الموضع الاجتماعي في المجتمع»، وعليه فأفراد المجتمع يتوقعون سلوكاً مادياً إيثارياً ممن يشغلون الموضع الاجتماعي للأب، كما يتوقعون مثله ممن شاغل موضع الأم، وفي ظل إخلال أي من طرفي العلاقة الزوجية بمتطلبات أداء دوره، نجد أماً تتفوق في عطائها المادي، وأباً يتفوق في عطائه المعنوي، وعليه فالأمر ليس على إطلاقه، وإنما يخضع لعديد من العوامل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"