عادي

الاستسماح من الميت

22:27 مساء
قراءة 3 دقائق
الاستسماح من الميت

د. عارف الشيخ

قال لي بعضهم: كان بيني وبين فلان خلاف وخصومة، وظلت الحال كذلك لسنوات، ثم توفي فجأة ذلك الرجل من غير أن نتصالح، فذهبت إلى قبره بعد موته واستسمحت منه، لكن قال لي أحد أئمة المساجد: هذا العمل غير جائز شرعاً ولا يفيدك في شيء، وظاهر الحديث أن الصلة بين الحي والميت تنقطع بالموت، فالميت في قبره لا يملك شيئاً لأنه ميت.
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه»، (رواه البخاري).
وبناء على هذا الحديث، فإنه الآن وهو في قبره، لا يفيدك حتى ولو وقفت على قبره وطلبت منه أن يسامحك، لأنه هو في أول منزل من منازل الآخرة، فغير قادر على عمل شيء لنفسه فكيف لغيره؟ لكن هنا يرد سؤال وهو: هل يسمع الميت وهو في قبره، أو هل يحس بمن يزوره؟ للإجابة عن هذا السؤال نقرأ معاً حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد السلام»، (رواه ابن عبدالبر في الاستذكار)، يقول ابن تيمية: قال ابن المبارك: ثبت أن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (انظر الفتاوى - ج24 ص3319)، ويؤيد هذا القول ما روي عن المتأخرين أمثال العراقي في «تصحيح أحاديث كتاب إحياء علوم الدين للغزالي»، ج4 - ص491، والسيوطي في «الحاوي» ج2-ص302 وغيرهم كثيرون.
أقول: ولو لم يكن يحس الميت بمن يزور قبره، لما شرع السلام بقوله: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين».
يقول الدكتور محمد شلبي أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية: «إن الميت يشعر بمن يزوره»، واستشهد بحديث مشروعية السلام الذي أشرنا إليه، والحديث الذي قبله، وقال أيضاً: «صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وقف على قليب ألقي فيه قتلى بدر من المشركين، فناداهم بأسمائهم، وقال: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني حقاً».
فقال عمر: يا رسول الله أتخاطب أقواماً قد جيفوا؟ قال الرسول: «مه يا عمر، والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جواباً»، (رواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة).
إذاً نفهم من هذا كله أن زيارة الموتى مشروعة للسلام عليهم، وأنهم يحسون بمن يأتي إلى قبورهم لكنهم لا يستطيعون حراكاً ولا جواباً، وقد ثبت أنهم ينتظرون من فترة إلى فترة مثل هذه الزيارات التي تؤنسهم في قبورهم.
يقول الإمام النووي: «يستحب للمسلم زيارة القبور والسلام على أهلها، والميت يعرف المسلِّم عليه ويرد عليه السلام، لذلك فإنه من المستحب للزائر أن يدنو من قبر الميت بقدر ما كان يدنو منه حياً»، (انظر المجموع من شرح المهذب ج5 ص310).
وبعد هذا قال أهل العلم إن الاستسماح من الميت غير مشروع يقيناً، ولا يفيد الحي ولا الميت، لكن يجوز أن يستغفر ويتصدق عن الميت، لعل الميت إذا وجد ذلك في سجل حسناته يلهمه الله يوم القيامة أن يسامحه ذنبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"