عادي

تغيير المنكر بالقوة.. تطرف يرفضه الإسلام

22:30 مساء
قراءة 6 دقائق
تغير المنكر بالقوة

تغيير المنكر باليد واحد من مظاهر التطرف السيئة التي‮ ‬وقع فيها بعض الشباب‮.. ‬فتحت زعم إشاعة المعروف بين الناس،‮ ‬تبنى البعض فكرة مقاومة المنكر باليد، واستخدام القوة لفرض المعروف كما‮ ‬يريدونه‮.. ‬وقد نتج عن هذا التصرف التعدي‮ ‬على حرمات الناس،‮ ‬والتنفير من أساليب الدعوة إلى المعروف،‮ ‬وتجاوز سلطات ولي‮ ‬الأمر.

هذا السلوك‮ ‬غير مقبول في‮ ‬ميزان الشرع الحنيف،‮ فقد تترتب عليه فتنة واسعة وشقاق بين المؤمنين، وهذا ما يقوله الدكتور محمد شامة‮ - ‬أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر‮ - ويضيف: ‬سمعنا عن شاب‮ ‬يريد منع التدخين بالقوة،‮ ‬وآخر‮ ‬يريد منع سفور الفتيات بالقوة،‮ ‬وثالث‮ ‬يرغب في‮ ‬تشكيل فرق لدفع الناس نحو المعروف والأخذ على أيديهم عند وقوع المنكر،‮ ‬وربما لقيام بعض هؤلاء بتطبيق الحدود والعقوبات على المخالفين‮.‬

الشريعة الإسلامية نظمت فضيلة الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر بشكل لا تتحقق به الفوضى وبطريقة تساهم في‮ ‬بناء المجتمع ونهضته في‮ ‬الفكر والسلوك والعمران‮، فالأمر والنهي‮ ‬عمل شرعي،‮ ‬محكوم بضوابط الشرع وأحكامه،‮ ‬وليس خاضعاً للهوى والمفاسد‮. ‬وعندما‮ ‬يقول القرآن الكريم‮: «‬ولتكن منكم أمة‮ ‬يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون‮»‬،‮ فإنه يسد منافذ الفوضى والتطرف التي‮ ‬وقع فيها البعض‮.‬

فالآية توكل هذا الأمر لأمة،‮ ‬أي‮ ‬جماعة،‮ ‬من المؤمنين،‮ ‬هدفهم الدعوة وليس الإجبار،‮ ‬والدعوة إلى الخير وليس إلى إثارة الشرور والتنازع،‮ ‬وهو ما سوف‮ ‬يترتب عليه الفلاح للداعي‮ ‬وللمدعو وللمجتمع كله‮.‬

تجنب الفتنة

إن الدعوة مشروطة بتعيين نفر من الناس لهذه الفضيلة،‮ ‬كما هي‮ ‬مرتبطة بشيء مهم جداً،‮ ‬وهو ألا‮ ‬يترتب على النهي‮ ‬عن المنكر منكر آخر أشد منه‮، فلا‮ ‬يجوز شرعاً الإقدام على مقاومة منكر بشكل‮ ‬يترتب عليه فتنة أكبر،‮ ‬وهذا المعنى واضح في‮ ‬حديث رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فيما روته السيدة عائشة عندما قال‮: «‬لولا أن قومك حديثو عهد بشرك،‮ ‬لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم‮»‬،‮ ‬فالرسول خشي‮ ‬أن تحدث فتنة لو قام بنقض أجزاء من الكعبة‮.‬

ومن أسوأ ما‮ ‬يقع فيه أهل التطرف في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬أن البعض‮ ‬يختار الحلال والحرام على هواه،‮ ‬وقد‮ ‬يعتقد بحرمة الشيء وهو في‮ ‬الأصل ليس بحرام‮.‬

ولهذا قرر العلماء أنه لا بد أن‮ ‬يكون هذا الحرام المستحق للإنكار ثابت الحرمة وليس محل شك أو خلاف بين العلماء أو المجتهدين؛ ‬إذ ليس من المعقول شرعاً أن‮ ‬يتوسع بعض المتطرفين في‮ ‬الشبهة كما‮ ‬يقول القانونيون،‮ ‬أو‮ ‬يهاجموا بعض صور الاجتهاد والخلاف،‮ ‬فهذا مما لا‮ ‬يقره الشرع‮.‬

الستر وجهاد النفس

ويتوقف الدكتور محمد شامة أمام مبدأ التغيير باليد،‮ ‬حيث‮ ‬يشير إلى عدد من المبادئ الشرعية في‮ ‬هذا،‮ ‬ويقول‮: ‬أول هذه المبادئ،‮ ‬أن الإسلام‮ ‬يشدد على حقيقة تربوية مهمة،‮ ‬وهي‮ ‬أن التغيير لا بد أن‮ ‬يبدأ بالإيمان والتربية ومجاهدة النفس‮. ‬فجهاد النفس هو أنجح درجات التغيير عند الفرد وعند الجماعة،‮ وهذا ما أثبته الواقع الإنساني،‮ وما قرره النص الشرعي،‮ ‬يقول الحق سبحانه‮: «‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين‮»‬،‮ ‬ويقول‮: «‬قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها‮». ‬وفي‮ ‬الحديث الشريف‮: «‬المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل‮»،‮ ‬وفي‮ ‬القرآن الكريم‮: «إن الله لا‮ ‬يغير ما بقوم حتى‮ ‬يغيروا ما بأنفسهم‮».‬

المبدأ الثاني‮ ‬في‮ ‬التغيير أن الشريعة الإسلامية تجعل الأصل هو‮ «الستر‮» ‬على صاحب كل معصية،‮ ‬وفي‮ ‬الحديث‮: «‬يا معشر من آمن بلسانه ولم‮ ‬يدخل الإيمان قلبه،‮ ‬لا تغتابوا المسلمين،‮ ‬ولا تتبعوا عوراتهم‮». ‬ومع الستر‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون النصيحة بالحسنى والتقويم باللين والعفو،‮ ‬وليس بالفضح والتشهير‮.‬

المبدأ الثالث أنه لا بد عند التغيير،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظروف المجتمع الحالية وتعقد مصالحه،‮ ‬أن‮ ‬ينظم أمر الدعوة إلى المعروف أو النهي‮ ‬عن المنكر،‮ ‬أي‮ ‬لا بد أن‮ ‬يعين القائم بهذا من الحاكم أو من‮ ‬ينيبه،‮‬ ‬وقد وصف الفكر الإسلامي‮ ‬هذا الشخص بالمحتسب،‮ ‬وقال بعض العلماء‮: ‬المحتسب هو المأذون له من الحاكم‮ بتغيير المنكر.

الخطيئة الكبرى

امتداداً لهذه المبادئ،‮ ‬يوضح الدكتور رشدي‮ ‬شحاتة‮ - ‬أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة حلوان‮ - ‬ما‮ ‬يعتبره الخطيئة الكبرى التي‮ ‬وقع فيها البعض عند الحديث عن تغيير المنكر‮.‬

يوضح‮: «لقد تجاوز البعض جُلَّ‮ ‬سبل التربية والإصلاح وراح‮ ‬يستخدم‮ «‬اليد‮»‬،‮ ‬أو القوة التي‮ ‬قد تكون آخر وسائل التغيير المطلوبة،‮ ‬وبهذا تجاوز هذا البعض سلطات ولي‮ ‬الأمر،‮ ‬وحمل نفسه دوراً ليس مطلوباً منه ولا‮ ‬يقتدر عليه‮».‬

والإسلام رتب وسائل الإصلاح على نحو رائع كما ورد في‮ ‬مجمل نصوصه وممارساته الشرعية،‮ ‬وكما وضح في‮ ‬الحديث النبوي‮ ‬المعروف‮ «‬من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع فبلسانه،‮ ‬فإن لم‮ ‬يستطع فبقلبه،‮ ‬وذلك أضعف الإيمان‮».‬

والحديث‮ ‬يقاوم الخلل الفكري‮ ‬كما هو واضح‮. ‬فدرجة التغيير العملي‮ ‬باليد أو باتخاذ القرار لا بد أن تكون لصاحب السلطة فلا يجوز أن يمارسها آحاد الناس حتى لا تكون فتنة بين الناس والمجتمعات،‮ والحاكم ‬هنا‮ ‬يتحدث بمنطق أبي بكر‮ ‬يوم تولى‮ ‬الخلافة فخطب في‮ ‬الناس‮: «‬أيها الناس،‮ ‬القوي فيكم،‮ ‬ضعيف عندي،‮ ‬حتى آخذ منه الحق‮. ‬والضعيف فيكم‮، ‬قوي عندي‮ ‬حتى آخذ له الحق‮».‬

وبعد التغيير باليد ومعه،‮ ‬يأتي‮ ‬التغيير باللسان، أي‮ ‬بالقول والدعوة والقانون والإعلام والنصح والإرشاد،‮ ‬وهو باب واسع للإصلاح والبناء‮.‬

كما أن التغيير بالقلب قد‮ ‬يكون من أكثر مستويات التغيير عند الأفراد ومعهم وعند المجتمع ومعه‮. ‬فإعمال الضمير وعزوف الناس عن فاعل المنكر وإشعاره بالغربة،‮ ‬قد‮ ‬يكون أقسى عليه من حد السيف،‮ ‬وفي‮ ‬قصة الثلاثة الذين خلفوا مثال واضح على ذلك‮ ‬حتى قال عنهم القرآن‮: «‬حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه‮». ‬

أخطاء بالجملة

وينبه الدكتور رشدي‮ ‬إلى جملة من الأخطاء التي‮ ‬يقع فيها بعض الذين‮ ‬يسيئون إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر،‮ ‬عندما‮ ‬يتحدثون فيها أو‮ ‬يمارسونها بعيداً عن الفهم الصحيح لطبيعة الإنسان ومكوناته الاجتماعية،‮ ‬وطبيعة الشريعة ومراتب الأحكام فيها،‮ ‬وأولويات المجتمع واحتياجاته‮.‬

فبعض أهل التطرف لا‮ ‬يدركون أنهم بتنفيرهم للناس‮ ‬يكونون عوناً لهم على الوقوع في‮ ‬المعصية،‮ ‬أو لا‮ ‬يفهمون سنة التدرج النفسي‮ ‬عند التعامل مع الناس وصعوبة الإقلاع عن المعاصي‮ ‬المتوارثة،‮ ‬أو أن الخطأ الإنساني‮ ‬وارد عند بني‮ ‬البشر،‮ ‬وهو سنة من سنن الله في‮ ‬كونه‮. ‬

الشريعة الإسلامية تقرر أن الخطأ ‬قرين الإنسان،‮ ‬وأن البشر‮ ‬يستحيل أن‮ ‬يكونوا ملائكة من دون منكرات،‮ ‬والرسول‮ ‬يقرر هذا المعنى فيقول‮: ‬كلكم خطاؤون‮.‬

بل للعلماء في‮ ‬هذا لفتات رائعة،‮ ‬عندما وقفوا أمام قوله تعالى في‮ ‬سورة فاطر‮: «‬ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا،‮ ‬فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله‮». ‬فالله جعل الأصناف الثلاثة،‮ ‬وهم الظالم والمقتصد والسابق،‮ ‬في‮ ‬الأمة المصطفاة،‮ ‬فيخطئ من‮ ‬يحاول أن‮ ‬يجعل الناس من دون منكرات‮.‬ والشريعة عددت مستويات الحكم الشرعي‮ ‬ومراتبه،‮ ‬فهناك الحلال والحرام،‮ ‬وهناك المباح والمنكر،‮ ‬وهناك الواجب والسنة،‮ ‬وهكذا،‮ ‬ثم‮ ‬يسر الله للناس عندما قال في‮ ‬كتابه‮: «‬لا‮ ‬يكلف الله نفساً إلا وسعها‮». ‬ويقول‮: «‬فاتقوا الله ما استطعتم‮» ‬ويقول‮: «وما جعل عليكم في‮ ‬الدين من حرج‮».‬

واجب الفقهاء

وواجب المتطرفين إذن‮ - ‬كما‮ ‬يضيف الدكتور رشدي‮ ‬ أن‮ ‬يراعوا أنهم لا‮ ‬يعيشون وحدهم،‮ ‬ولا‮ ‬يجوز أن‮ ‬يتعالوا على المجتمع الذي‮ ‬يعيشون فيه،‮ ‬كما لا‮ ‬يجوز أن‮ ‬يسيئوا بتصرفاتهم إلى هذه الفضيلة وربما الفريضة الرائعة التي‮ ‬جعلها الله من أبرز خصائص أمة التوحيد والدعوة والحضارة‮.‬ وواجبهم أيضاً أن‮ ‬يعودوا إلى الفقهاء عندما‮ ‬يفعلون شيئاً مرتبطاً كأصل الدعوة وغايات الشريعة،‮ ‬وأن‮ ‬يدركوا أن خدمة الإسلام‮ ‬يجب أن تكون في‮ ‬دائرة الولاية ولا‮ ‬يترتب على هذه الخدمة ضرر آخر،‮ ‬فلسنا أصحاب ثقافة‮ «‬الغاية تبرر الوسيلة» ‬كما قال بعض فلاسفة الغرب،؛ ‬بل‮ ‬غاياتنا النبيلة لا‮ ‬يجوز أن تكون إلا بوسائل نبيلة‮. ‬وليقم كل واحد بمسؤولياته،‮ ‬وفي‮ ‬حدود استطاعته،‮ ‬وليتذكر أن ما هو خارج حدوده ليس مسؤولاً عنه.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"