فسحة أمل أوروبية

22:47 مساء
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

مع انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، يبدو أن أوروبا تنفست الصعداء وبدأت أنفاسها تنتظم طبيعياً بعدما تجاوزت القلق من ولاية ثانية للرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لكنها تعرف أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، وأن كل مرحلة لها عقباتها وتحدياتها، وقد أحدثت السنوات الأربع الماضية ما أحدثت، وستظل تأثيراتها مستمرة وستؤثر في محاولات إعادة العلاقة إلى قواعدها السابقة بين ضفتي الأطلسي.

بعد ولاية ترامب الأولى، اختلفت الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً، وكذلك موازين القوة في العالم، والتعامل مع هذه التغييرات يتطلب مقاربات مستجدة تأخذ في الحسبان الكثير مما كان وما يمكن أن يكون. ومما يلاحظ أن الأوروبيين واعون بالتقلبات الحاصلة، وأصبحوا يدفعون إلى معادلات جديدة تأخذ في الاعتبار الأمن الاستراتيجي للقارة وعلاقاتها بمراكز القوة الأخرى. وفي هذا السياق يأتي موقف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في منتدى باريس للسلام، عندما قال إنه يجب على أوروبا الاستعداد لتعزيز فكرة الأمن المشترك مع روسيا، فبدون موسكو لا يمكن تحقيق هذا الأمن، كما لا يمكن تحقيقه بالوقوف ضدها. وهذا القول يتردد في فرنسا أيضاً التي كانت أول من طرح هذه الفكرة ودافع عنها، عندما كانت إدارة ترامب تتخبط في قراراتها بين سحب القوات الأمريكية من ألمانيا وتعزيزها في بولندا.

الحقيقة الساطعة لدى الساسة الأوروبيين أن أدبيات «الحرب الباردة» لم تعد قابلة للإحياء مجدداً، كما أن ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة، يتطلب الأمر نفسه مع روسيا، حتى لا تكون القارة الأوروبية ساحة صراع بين القوتين العظميين، ولن يتحقق ذلك إلا بالسعي إلى جعل أوروبا فضاء للجمع بين التوازنات دون أن تخضع لهيمنة أي طرف. وضمن هذا المسعى كان اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بناء جيش أوروبي موحد، بما يشمل مراجعة بنية حلف شمال الأطلسي «الناتو». ولا يبدو أن فكرة الجيش الأوروبي ستختفي، حتى وإن عادت العلاقة بين بروكسل وواشنطن إلى سالف حرارتها، لأن المسألة تتعلق بمستقبل سيظل مجهولاً وغائماً بسبب المستجدات المتسارعة وتقلب السياسات والأولويات.

أوروبا تحاول أن تنهض من كبواتها المتلاحقة، وقد أعطتها نتيجة الانتخابات الأمريكية فسحة من الوقت للمراجعة، تأمل أن توسعها بالسيطرة السريعة على جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية. ولكن لا يجب أن تعول كثيراً على الحليف الأمريكي الذي يعيش انقساماً حاداً سيؤثر في سياساته الخارجية لفترة طويلة. كما لا يمكن الرهان كثيراً على التقارب مع روسيا، فلكل بلد مصالحه وحساباته. إذا كانت أوروبا تريد أن يكون لها موقع في الخريطة العالمية التي بدأت تتشكل، عليها أن تنمي قدراتها الذاتية وتوحد سياساتها وتعرف أي الطرق تسلك في التعامل مع الأقطاب الدولية الأخرى. وقد تتبين معالم الاتجاه خلال أشهر قليلة، بعد أن يصل بايدن إلى البيت الأبيض وتتوفق في السيطرة على كورونا. ومع ذلك لا توجد ضمانات، فالقاعدة القائمة تقول إن كل شيء خاضع للتقلب دون تبرير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"