تصعيد أوروبي تركي

23:44 مساء
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تصاعدت حدة التوتر بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا، في الآونة الأخيرة، إلى درجة تهديد بروكسل بفرض عقوبات على أنقرة، على خلفية السياسات التي تنتهجها الأخيرة في العديد من المناطق وتعتبرها دول الاتحاد تهديداً لنفوذها ومصالحها الحيوية، لكن يبقى السؤال عما إذا كان الاتحاد الأوروبي يمتلك أوراق الضغط الكافية لإجبار أنقرة على تغيير مسارها.

الاتحاد الأوروبي يرى في التحركات التركية عموماً  في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مروراً بقبرص واليونان وشرقي المتوسط، وصولاً إلى منطقة القوقاز  نوعاً من التحدي التركي الذي يستهدف إضعاف نفوذه ودوره في هذه المناطق الحيوية، وبالتالي فهو لن يقف مكتوف الأيدي أمام طموحات أنقرة التوسعية، وسعيها إلى استغلال الثغرات في الظروف الدولية الناشئة، لفرض معادلات جديدة من شأنها التأثير في أمن القارة العجوز. وتأتي قضية التراشق الفرنسي التركي بين ماكرون وأردوغان، والسجال حول الحريات والإساءة للمعتقدات الدينية، وقيام فرنسا بحظر منظمة «الذئاب الرمادية» اليمينية المتطرفة التابعة لحزب الحركة القومية المتحالف مع أردوغان لتزيد الطين بلة، وتدفع بإمكانية فرض عقوبات على تركيا؛ كونها أحد عوامل الضغط، وإمكانية واقعية أصبحت موجودة على طاولة الاتحاد الأوروبي. 

لكن مع ذلك، ثمة محاذير كثيرة في هذا الجانب، منها ما يُعطي بعض القوة لأنقرة ويجلب نوعاً من المخاطر للاتحاد الأوروبي ذاته؛ إذ تدرك بروكسل أن عقوبات من هذا النوع  إن فرضت  فهي تفرض على دولة عضو في حلف «الناتو»، وهي بهذه الصفة مسؤولة عن أمن القارة الأوروبية الجنوبي، وانسحابها من الحلف سيؤدي إلى انكشاف الاتحاد الأوروبي أمام روسيا، وهو ما لن يحظى بموافقة الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه يدفع أنقرة إلى استخدام ورقة الهجرة والتهديد بإغراق أوروبا مجدداً بالمهاجرين. 

وبالتالي، ما الذي يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي؟ يرى بعض المحللين أن الاتحاد يمتلك  مع ذلك  أوراقاً كثيرة ومتنوعة للضغط، فهو يسعى إلى نوع من المزاوجة بين الضغط والعقوبات والتلويح بالقوة في بعض الحالات، كما في حالتي قبرص واليونان؛ إذ إنه يدعم البلدين لحل مشاكلهما مع أنقرة تفاوضياً، لكنه يُلوِّح بالقوة إذا لزم الأمر في وجه الأطماع التركية في النفط والغاز شرقي المتوسط. 

ولا يقتصر الأمر، بطبيعة الحال، على التناقضات التركية مع أوروبا، فهناك تناقضات أخرى مع الولايات المتحدة وروسيا، لكنها لا ترقى إلى مستوى التهديد الاستراتيجي للعلاقات. صحيح أن واشنطن غاضبة من أنقرة، خصوصاً على خلفية صفقة صواريخ «إس 400» الروسية، وهي قادرة على فرملة اندفاعتها لو أرادت، لكنها تُدرك  في نهاية المطاف  أن حاجة الغرب وحلف «الناتو» إلى تركيا أكثر من حاجة الأخيرة للحلف، كما أن روسيا قادرة بدورها على لجم أنقرة، لكن شبكة المصالح السياسية والاقتصادية الهائلة معها تدفعها إلى تغليب هذه المصالح على أي اعتبارات أخرى؛ بل العمل على تعميق التناقضات بين تركيا والغرب. وبالتالي، فإن حسابات المصالح في هذا المجال تبقى لها الكلمة الأولى والأخيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"