طموحات خفض الانبعاثات المرفوعة حتى الآن

22:09 مساء
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد
د. محمد الصياد

حدد اتفاق باريس للمناخ عام 2015 هدفاً عالمياً تمت صياغته صياغة قانونية محكمة، يتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في النصف الثاني من القرن الحالي. الآن، هناك عدد متزايد من الحكومات قام فعلاً بترجمة هذا الهدف إلى استراتيجية وطنية، تتضمن رؤى لمستقبل خالٍ من الكربون.

وقد أحصيت حتى الآن 30 دولة من دول العالم، قدمت التزاما، سواء عبر التشريع الوطني أو من خلال الإخطار الرسمي للأمم المتحدة، لتحقيق هذا الهدف. وإذا ما اعتبرنا ولاية كاليفورنيا الأمريكية التي انضمت إلى هذا «النادي»، بمثابة دولة (هي على أية حال ثالث أكبر ولاية في الولايات المتحدة من حيث المساحة بعد ألاسكا وتكساس)، واعتبرنا أن الاتحاد الأوروبي هو 27 دولة، فذلك يرفع العدد إلى 56 دولة، ليس من بينها دولة عربية واحدة.

على سبيل المثال، في يناير 2020، تعهدت أستراليا ممثلة في حكومتها الائتلافية التي تضم حزب الشعب اليميني وحزب الخضر، بالسعي للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2040، وتحقيق هدف كهرباء نظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2030، مدعومة بأهداف ملزمة للكربون. أما مملكة بوتان التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة جلهم من ذوي الدخل المنخفض، فإن مهمتها في موازنة حساباتها الكربونية، تبدو سهلة، حيث إنها محاطة بالغابات وموارد الطاقة الكهرومائية، فضلاً عن إقرارها واتباعها بعض السياسات الخضراء. 

في ولاية كاليفورنيا، وهي ليست دولة مستقلة، لكنها تحوز خامس أكبر اقتصاد في العالم، وقع حاكمها السابق جيري براون، على أمر الحيادية الكربونية في سبتمبر 2018، في الوقت نفسه الذي أقرت فيه قانوناً لجعل الكهرباء قابلة للتجديد بنسبة 100% بحلول عام 2045. ففي ظل غياب الطموح المناخي الفيدرالي تسعى حفنة من المدن والولايات الأمريكية الأخرى إلى تحقيق أهداف صفرية صافية، بما في ذلك ولايتا نيويورك وهاواي. كندا التي وعد رئيس وزرائها جاستن ترودو، بعد إعادة انتخابه في أكتوبر 2019، بوضع هدف صافي انبعاثات صفرية مع ميزانيات كربون ملزمة قانوناً لمدة خمس سنوات، من الدول المتأرجحة مناخياً بين الإعلان عن سياسات صديقة للمناخ، وبين سياسات مناقضة لها. فرئيس الوزراء الكندي دافع في نفس الوقت عن خطوط أنابيب النفط الكندية الأمريكية المثيرة للجدل. تشيلي أعلنت في يونيو 2019، نيتها التخلص من انبعاثات الكربون، لكن هذا التعهد حصل حين كانت سانتياجو (عاصمة تشيلي) ستستضيف مؤتمر الأطراف ال25 في ديسمبر 2019، بسبب التظاهرات وأعمال العنف ضد الحكومة التي اضطرت الأمم المتحدة لنقل المؤتمر إلى مدريد، حيث عقد خلال الفترة من 2-13 ديسمبر 2019. إنما الحكومة التشيلية جددت تعهدها للأمم المتحدة في أبريل 2020؛ إذ تعهدت بإغلاق 8 من أصل 28 محطة لتوليد الطاقة بالفحم بحلول عام 2024، والتخلص من الفحم كلياً بحلول عام 2040. كوستاريكا من الدول القليلة الطموحة لتحييد الكربون. وقد رفعت للأمم المتحدة في ديسمبر 2019 استراتيجيتها للوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050، اعتماداً على إمكاناتها في توليد الطاقة الكهرومائية بشكل أساسي. وقد سنّت تشريعاً في عام 2018، لتقليص استخدام البنزين والديزل في قطاع النقل.

اليابان دولة مهمة في تحقيق هدف المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ، فهي مصنفة خامساً كأكبر مصدر للانبعاثات في العالم. ومشكلتها، مثل معظم الدول المتقدمة، تكمن في اعتمادها الكبير على الفحم في توليد طاقتها الكهربائية، حيث يشكل ثلث هذا الإنتاج. لكن اليابان أعلنت في أكتوبر 2020 هدفها بتحقيق صفر صافي انبعاثات بحلول عام 2050، وهو ما سيتطلب من حكومتها ضخ استثمارات كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة، وإصلاحاً شاملاً لاستراتيجية المناخ الحالية للدولة التي تركز بشكل كبير على طاقة الفحم. وعلى عكس اليابان، فإن مصدر الانبعاثات الأساسي في نيوزيلندا، هو قطاع الثروة الحيوانية، حيث تتسبب الماشية (الأبقار والأغنام) في نفث غاز الميثان في الجو (وهو أحد الغازات الستة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري). وبما أن الثروة الحيوانية (كان هناك 37.8 مليون رأس من الماشية في عام 2019)، تشكل جزءاً مهماً من قطاعها الزراعي، سواء بالنسبة لتأمين الاستهلاك المحلي أو تأمين إيرادات مهمة لميزان مدفوعاتها (بلغت حوالي 10.2 مليار دولار في عام 2019)، أو خلق مواطن شغل، وخطوط إمداد لقطاعات وأنشطة أخرى، فقد جاء هدف نيوزيلندا الذي وُضع في صورة قانون ملزم في نوفمبر 2019، مخففاً في ما يتعلق بالتعامل مع الثروة الحيوانية، حيث نص القانون بهذا الخصوص على خفض نسبة انبعاثات غاز الميثان بما يتراوح بين 24 و47% من مستويات عام 2017 بحلول عام 2050، وذلك اعتماداً على حالة التنويع التي يتميز بها الاقتصاد النيوزيلندي، وأخذاً  على ما يبدو  بعين الاعتبار، احتجاجات لوبي اللحوم الذي يجادل بأن نيوزيلندا ستفقد حصتها في هذا السوق لصالح البلدان ذات معايير الاستدامة الأقل صرامة. 

النرويج الدولة النفطية في شمال أوروبا، وضعت خطة لما سمته «حياد المناخ» (Climate neutrality)، محلياً بحلول عام 2050، وعالمياً عبر نظام التعويضات. وفي حين توظف، في هذه الخطة، مواردها من الطاقة الكهرومائية، وتخطط لكهربة قطاع النقل، إلا أنها تقوم في الوقت ذاته بحفر آبار نفطية في القطب الشمالي. البرتغال وضعت لها هدف صفر صافي انبعاثات بحلول عام 2050. وهناك دول عديدة وضعت أهدافاً طموحة يصعب إدراكها، لكنها تتعامل معها كتحدٍ ستعمل على اجتياز امتحانه. بريطانيا مثلا، قررت  قانونياً  في عام 2008، الوصول إلى صفر صافي انبعاثات بحلول 2050، وهذا هدف صعب المنال، فشكلت  خصيصاً لمتابعته  لجنة مستقلة لتنسيق عمل الجهات ذات الصلة بتحقيقه.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"