الشارقة وعشق الكتاب

كما أن الرقي والتحضر يحلان أينما يحل الكتاب، كان «معرض الشارقة الدولي للكتاب» في دورته الـ 39 راقياً ومتحضراً بكل ما تعنيه الكلمة.
وكحدث أول تشهده الدولة منذ جائحة «كورونا» التي أوقفت الأنشطة والفعاليات منذ فبراير/شباط في العالم بأسره، أطل معرض هذا العام، من وسط كل هذا الخوف على مريديه، معتمداً على تفهم زواره، وحسن تدبير إدراته، حتى يكون بمستوى الحدث وأهل الكلمة.
المعرض سجل مفارقات لن تنسى عند أهل هذه الصناعة، كانت بإعلان صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بتخصيص 10 ملايين درهم لاقتناء أحدث إصدارات دور النشر المشاركة، وهي سنّة سنوية لسموّه دعماً للدور المشاركة، بدلاً من 4.5 مليون درهم كما في العامين 2018 و2019، تفهماً من سموّه للظروف الطارئة التي فرضتها جائحة «كورونا».
ثم توجيه سموّه بإعفاء دور النشر اللبنانية المشاركة في المعرض من رسوم إيجارات الأجنحة المترتبة عليهم، عقب التفجيرات التي طالت مرفأ بيروت؛ بقيمة 640 ألف درهم.
وفي اليوم التالي مباشرة، ودون أن يراجعه أحد، أعقبه سموه بإعفاء جميع دور النشر من رسوم إيجارات الأجنحة؛ لما تلمسه من ضرورة دعمها في ظل ما يشهده العالم من تداعيات «كورونا»، لتبلغ قيمة الإعفاءات أكثر من 6 ملايين درهم، وهي بالنسبة لدور النشر دعم ورافد حقيقي لديمومة عملها وعطائها.
هذه المكارم الثلاث التي لم تفصل بينها أيام كانت من «عاصمة الكتاب» إلى أهله وصنّاعه، فكانت الحلم الذي هبط عليهم، ليزيح عن كاهلهم حمل المصاريف والخسائر التي تكبدوها منذ مطلع العام، بسبب الإغلاقات التي حدثت في بلادهم بسبب «كورونا»، فضاعفت ربحيتهم، وحوّلت رحلتهم إلى الشارقة هذا العام إلى جزاء كريم بكل المقاييس، وحافز لمن اعتذر عن عدم المشاركة، بسبب خوفه من ضعف الإقبال والبيع، لتؤكد لهم بأن «الكتاب» في أيدي سلطان الأمينة.
معرض الكتاب الذي سجل تراجعا كبيراً بعدد زواره من 2.5 مليون زائر في عام 2019، زاره هذا عام 300 ألف فقط، ولكن هذا الرقم هو نجاح بكل المقاييس لهذا المعرض الذي عمل بوعي وتخطيط، ألّا يزوره أكثر من ذلك، حفاظاً على سلامة الجميع، ولكن هذا الرقم وفي ظل ظروف وأوضاع كهذه، هو نجاح يضاف إلى نجاحاته.
المعرض الذي اختتم أعماله أمس، بتألق كبير لزواره ومريديه، ننتظر أن يطل علينا العام المقبل في دورته الأربعين ليس ليبقى بين الثلاثة الكبار في العالم، بل ليتقدمها بحسن تنظيم وإدارة تسجل لمديره أحمد العامري، وفريقه الكبير.
المعرض في شارقة الثقافة والبسمة والجمال، يثبت أن الكتاب عشق لا تمحوه الأحداث أو الطوارئ، بل تزيد في عمقه؛ لأنّ راعي الثقافة، يحضنه بالمآقي والأهداب.
[email protected]