زايد.. قيادة تاريخية

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

القيادة لا تقاس بعمرها ولا بسنين حكمها، بل بالإنجاز والرؤية والمبادرة، وتغيير معادلات التاريخ، بما يحقق المصالح الوطنية، وبالقدرة على تفعيل المكاسب وتقليل المخاطر. والقادة العظام هم الذين يظهرون وقت الأزمات الوطنية، ولديهم القدرة على صنع مزيج من التفاعل بين القدرة الشخصية والتفاعل بين التاريخ والتغيرات الاجتماعية والسياسية. والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بسيرته القيادية أحد القادة العظام الذين صنعوا تاريخاً ما زال قائماً لدولهم وشعوبهم. وقوة شخصية الشيخ زايد تتجسد في دولة القيادة وقيادة الدولة، والحديث عنه يتجاوز البعد الشخصي ليركز اليوم على دور ومكانة دولة الإمارات باعتبارها أنموذجاً للقيادة التاريخية والقيادة الرشيدة. ولم يحظ قائد بما حظي به الشيخ زايد من حب واحترام. رجل دولة، لم يجعل بريق السلطة يبهره، بل سخر الحكم والمال لمصالح شعبه وبناء دولته.

 وكانت البداية في بناء المدارس، لتصبح اليوم دولة الإمارات أنموذجاً متقدما في التعليم، واليوم أصبحت القيادة بالمبادرة قاعدة رصينة وثابتة في سياسة دولة الإمارات داخلياً وعربياً ودولياً، وتغطي هذه المبادرات كل الاحتياجات الإنسانية المادية والثقافية وتزيد على 1400 مبادرة، وأبرزها ما يتعلق بالأيتام والقراءة ومحاربة شلل الأطفال والمبادرات المتنوعة التي تخفف أعباء الحياة عن المواطن. ولا تقف هذه المبادرات عند حدود معينة ولا تميز بين شعب وآخر، بل هي مبادرات إنسانية في روحها وأهدافها.

 لقد أسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مدرسة في القيادة وفلسفة الحكم تنهل منها القيادة الحالية، وهنا مقولته أن القائد الحقيقي هو الذي ينظر إلى شعبه نظرته إلى أفراد أسرته، ويلاحظها دائماً ويتابعها ويسأل عنها. وهذه الرؤية الأبوية لا علاقة لها بثقافة الأبوية أو النظر لمواطنيه كرعية تابعة، بل كان قريباً منهم يصغي ويستمع لهم، ولديه القدرة على الإقناع وتبادل الآراء. 

لقد تجمعت في شخصية زايد مصادر القيادة الحكيمة التي تحلى بها ويعترف بها كل من عايشه. وهذه السمة أقرب إلى الهبة الإلهية الفطرية أبرزها التواضع والشعبية والجماهيرية والبساطة في السلوك والقرب من الناس. والمصدر الثاني لقيادته الإنجاز، فهو لم يكن  يؤمن بالاتكال على الثروة فقط، وكان يعرف بأنها زائلة وأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان المبدع والمنتج. كان قائداً عملياً يشرف بنفسه على كل المشاريع ويقف على تطورها، الإنجاز بمعنى القدرة والفعل والعقلانية وإرساء دولة القانون والمؤسسات، لم يتخل عن البداوة والقبلية التي حافظ عليها وجمع بينها وبين الحداثة في مزيج يعكس روح الأرض والشعب والعادات والتقاليد.

 لم تقف نظرته عند حدود شخصيته وحدود دولته بل كان صاحب نظرة منفتحة على كل الثقافات الإنسانية ويده ممدودة للجميع. قيادة اتسمت بالحزم والهيبة،  قيادة قوية في تجسيد ثوابتها ومصالح شعبها. ولنعد للحظة صنع تاريخ دولة الإمارات في 2 ديسمر 1971 في فترة من أصعب الفترات التاريخية التي عاشتها الدولة ولم يكن أمام الشيخ زايد إلا خيارين، إما النجاح وتحويل الحلم إلى حقيقه، وإما الفشل والعودة لمرحلة ما قبل الاتحاد، كالسفينة التي تتلاطمها الأمواج من كل اتجاه وتحتاج لقبطان شجاع يعرف كيف يصل بسفينته لشواطئ دولة الإمارات. 

بعد قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة وبروز نظرية فراغ القوة حيث سارعت الدول الإقليمية لملئه كإيران باحتلالها لجزر الإمارت، والحرب الباردة على أشدها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى ومحاولة الوصول للمنطقة، وعربياً المنطقة تعاني تداعيات هزيمة 1967، في ظل هذه الظروف الصعبة برزت قوة القيادة ونجاحها في ملء الفراغ بقوة وطنية جسدتها دولة الإمارت العربية المتحدة. ثلاثية النجاح، دولة الاتحاد والقيادة الرشيدة والمواطن.هذا قليل من كثير في شخصية زايد والدولة على أبواب عيدها الوطني التاسع والأربعين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"