لا «تأليف».. لا اعتذار

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

انشغل لبنان في الأيام الأخيرة بزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي، وهو مستعد للانشغال بزيارة أي موفد أو مسؤول خارجي، للتغطية على فشل الطبقة السياسية برمتها، التي توهم الجميع بأنها لا تزال تعمل من أجل إنقاذ البلاد التي تتموضع على شفا الانهيار بسبب سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المتفاقمة.

وقبلها انشغل لبنان، ولا يزال، بالانتخابات الأمريكية لمعرفة هوية سيد البيت الأبيض الجديد، ليقرر السياسيون اللبنانيون ما إذا كانوا سيذهبون في اتجاه حلحلة العقد وتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة الجديدة، أو يمضون في اختلاق المزيد من العراقيل والأعذار في حال عودة إدارة ترامب لفرض المزيد من العقوبات وممارسة المزيد من الضغوط على الساحة الداخلية، تفضي إلى معادلات جديدة خالية من معارضي واشنطن وحلفائها، في سياق إحكام قبضتها على المنطقة. 

مشهد مأساوي بالفعل، لبلد يعيش ظروفاً مأساوية في كل الاتجاهات، وتتحدث فيه الطبقة السياسية علناً عن تمسكها باستقلال البلاد وقرارها الوطني السيادي، بينما تؤدي، من تحت الطاولة، فروض الولاء والتبعية المطلقة للخارج أياً يكن هذا الخارج. وبالتالي فإن ربط مشكلات لبنان الداخلية بما يحدث في الخارج، ما هو إلا نوع من الهروب من مواجهة المشكلات الداخلية، والتغطية على تموضعها وراء النظام الطائفي والمحاصصة السياسية والمذهبية التي يوفرها، على حساب الموقف الوطني الجامع الذي يتيح للبنان واللبنانيين الخروج من سلسلة الأزمات الكارثية التي تعصف بالبلاد. 

صحيح أن لبنان بحاجة للمساعدة من الخارج، وهذا ما يقره الجميع، لكن الطبقة السياسية الفاسدة تحاول التحايل على المجتمع الدولي الذي يطالب بإصلاحات فورية وخارطة طريق للخروج من الأزمة، عبر السعي للحصول على الاثنين معاً، المساعدات الدولية والمحاصصة الطائفية، وهو ما يدفع لبنان واللبنانيين نحو المزيد من المعاناة والمزيد من الفقر والجوع ونقص الغذاء والدواء وفقدان الصحة وكل المواد الأساسية والضرورية، ويدفع الكثير منهم بالتالي إلى الهجرة وتداعياتها ومن ضمنها غرق الكثيرين في عرض البحر.

هذا ما فعلته الطبقة السياسية مع مبادرة ماكرون ومتابعات مبعوثه الرئاسي، إلى درجة أن يتم رهن تأليف الحكومة بنجاح مهمة الموفد الفرنسي من عدمه، والأسوأ أن كل الكتل والقوى السياسية التي التقاها موفد ماكرون أكدت تمسكها بالمبادرة الفرنسية وتقر بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين، ولكنها في التعامل مع تأليف الحكومة تتمسك بالمحاصصة الطائفية وحجم الحكومة والحقائب التي ستحصل عليها وتسمية وزرائها وحتى رفض المداورة في حقائب معينة، الأمر الذي يتعارض مع تعهداتها والتزاماتها. 

هذا بالطبع ما يضع الرئيس المكلف سعد الحريري أمام خيارين، إما الاعتذار عن التكليف وإما الرضوخ لمطالب القوى السياسية، وإن كانت حسابات الحريري لا تزال تمنعه من ذلك. فهل معنى ذلك أن الطبقة السياسية تراوغ؟ نعم هي كذلك! وهذا ما يؤكد صحة وصدق الحراك الشعبي الذي انطلق في أكتوبر من العام الماضي حين طالب برحيل الطبقة السياسية الفاسدة برمتها «كلن يعني كلن» أي جميعهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"