محاربة التطرف

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لم يولد التطرف فجأة، ولم يظهر التشدد بالصدفة في العالم، بل من تراكم ممارسات منهجية في التعاطي مع رؤية أحادية للدين، ومن محتويات تعليمية وتربوية وقيمية ترجمتها مجموعات في مجتمعاتها، في ظل تساهل العديد من الأنظمة، أو في ظل طيبة قلوب عدد من القيادات وصفاء نواياهم، ما جعل مجموعات منظمة تنتهز التساهل والرغبة في التديّن والإيمان لتبدأ تحفر في البيئات الحاضنة، حتى إذا شعرت باكتمال الاستعدادات ظهرت بقوة ودموية لتعلن عن نسخة لا تمت للدين بصلة، وغرّرت بالشباب الفاقد للمرجعيات والثقافات الدينية، فشحنتهم بالكراهية والعنصرية والحقد، فتصرفوا كأنهم وكلاء الله على الأرض، وحين تمكّنوا عاثوا في الأرض فساداً وظلماً ودماءً.

المجتمعات العربية والإسلامية والغربية والشرقية تشهد الآن يقظة في حاجة إلى جهد لإقناع الناس بصفائها وبراءتها؛ لأن هذه الشرائح من هذه المجتمعات ذاتها استغلت الدين، وجيّشت الشباب؛ لتحقيق مآرب سياسية، وعلى رأسها إسقاط الدكتاتوريين والمستبدين، بل أفردت مساحات إعلامية مسموعة ومرئية، واستضافت قيادات إرهابية (كانت في وقتها جهادية)، وحين شعرت تلك المجتمعات السياسية والدينية أن نشاط المجموعات التكفيرية لن يقتصر على مساحات جغرافية معينة، وأنها الهدف الجوهري لنشاطاتها وعملياتها التخريبية، استيقظت من نشوتها السياسية وليست الدينية، ووضعت تلك الجماعات على قائمة الإرهاب والقوائم السوداء.

 والسؤال الذي يطرح ذاته بجدية هو: هل جاءت اليقظة متأخرة؟ وإلى متى ستستمر في التصاعد؟ ومشروعية السؤال تظهر من وجود قواعد كثيرة للمتشددين، وخلايا نائمة لهم منتشرة في بلدان عديدة، ولا يزالون يتلقون الدعم المالي واللوجستي والعسكري من أنظمة تحلم بالعودة إلى زمن الإمبراطوريات البائدة، ومن شخصيات مستترة تؤمن بتعاليمهم وصحة توجهاتهم وتواصل دعمهم. والقصد من السؤال وتبعاته هو إظهار شراسة المعركة التي تنتظر المستيقظين؛ لأنها معركة ستدور، لو صدقت النوايا، على كافة الجبهات، الفكرية والتعليمية والمجتمعية، بحيث لا يكفي وضع أسماء تلك التنظيمات على لوائح الإرهاب، فهم عبّروا في السابق أن هذه اللوائح لا تهمهم، بل تمنحهم شرفاً كبيراً بصفتهم يحاربون الشيطان.

إن صعوبة المعركة تكمن في وجود التوجهات المتشددة في المذاهب جميعها، وإن حُصرت في مذهبين رئيسيين، ولا تزال البيئات الحاضنة تشحن أتباعها بالتطرف والتشدد إلى درجة الحقد والكراهية تجاه الآخر، أي كل مذهب يشحن ضد المذهب الآخر، وكلا المذهبين يشحنان أتباعهما بالفكر التكفيري، وهو أخطر أنواع الفكر.

نتيجة لذلك، لا نجد غرابة من شروع النمسا بسن قوانين بشأن الإسلام السياسي، وليس غريباً أن يدق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقوس الخطر من تنامي التشدد والتطرف، وليس غريباً أن تضع بلدان عربية عدة تنظيم «الإخوان المسلمين» على القائمة السوداء، وليس غريباً تنشيط دعاوى قضائية بأثر رجعي على صلة بتمويل التنظيمات المتشددة التي صالت وجالت في سوريا والعراق، وليس غريباً هذا التوق في المجتمعات الإسلامية والعربية لإعادة الاعتبار إلى الوسطية، وتسليط الضوء على سلمية الإسلام، بعد أن قدّمت التنظيمات المتطرفة نموذجاً سيئاً ودموياً للإسلام، فهذه مجرد إجراءات، لكن يجب القيام بأعمال مدروسة في العمق تخاطب الأجيال، وترسّخ مفاهيم السلام والتسامح والوسطية، والتحرّر من عقود كثيرة من تجهيل المجتمعات بحجة المحافظة على الدين.

العالم في حاجة إلى عمل جماعي، وتنسيق حقيقي لمواجهة الجماعات المؤمنة بالعنف بعيداً عن توظيف الدين لخدمة مصالح سياسية كما يفعل «الإخوان المسلمون» وأتباعهم الذين يسعون إلى إقامة خلافات بدائية في القرن الواحد والعشرين.

إن مواجهة العنف تشبه العملية التعليمية، هنالك دور للأسرة وآخر للمدرسة، وثالث للإعلام والمناهج والخطابات المجتمعية، ونعتقد أنه آن الأوان لتتكاتف كل القوى؛ لمواجهة التطرف في كل مكان وفي كل دين ومذهب، ولا بد من تعاون أصحاب مؤسسات التواصل الاجتماعي؛ لأنهم من سمحوا بنشر النموذج الدموي. والله الموفق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"