موسيقى معولمة

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

 

في التسعينات الماضية سألت محاورة تلفزيونية نجيب محفوظ عن رأيه في العولمة. قالت له باللهجة المصرية: «إيه رأي حضرتك في العولمة؟»، باغتها محفوظ بردٍ على هيئة سؤال: «عَوْ.. إيه؟».
يمكن أن نفترض أن نجيب محفوظ لم يسمع جيداً المذيعة وهي تلفظ مفردة العولمة، خاصة وأنه كان في عمر متقدم وقتها، لكن يمكن أن نفترض أيضاً أن محفوظ بروح الدعابة التي لديه أراد السخرية من التكرار البغبائي للمفردة خاصة في تلك الفترة، عندما ابتدأ مفهوم العولمة في التداول الإعلامي والخطابات الثقافية.
لا أذكر، الآن، بالضبط، ردّ محفوظ على السؤال بعد أن أعادت عليه المذيعة مفردة العولمة، ولكني أحسب أن قوله لم يكن بعيداً عن فهمه للعلاقة بين المحلية، أو القومية إن شئنا، والعالمية، هو الذي صنع عالميته التي حملت «نوبل للآداب» إليه من خلال مصريته، أي من خلال تمثله لخصائص بيئته ومجتمعه وثقافته وتراثه وسيكولوجية الإنسان فيه، فهو لم يلهث وراء «نوبل»، ولم يسوّق نفسه وأدبه في الملتقيات و«اللوبيات» الثقافية الدولية جرياً وراءها.
تذكرتُ هذا، بعد قراءتي لتقديمٍ مهم ومطول، كأنه بمثابة دراسة مستقلة، كتبته الأستاذة سمحة الخولي لكتاب «الموسيقى والعولمة»، الذي تولت هي نفسها ترجمته إلى العربية. والكتاب الذي وضعه سايمون ماندي هو بمثابة دليل حول الموضوع أعدّه مؤلفه للمجلس الدولي للموسيقى التابع ل «اليونيسكو».
في تقديمها للكتاب تعبر الخولي عن القلق من هيمنة الشركات الكبرى للتسجيل والتوزيع والترويج وتحصيل العوائد، وهي شركات عملاقة لا يشغلها نبل رسالة الموسيقى التي نشأت عليها أجيال سابقة من الموسيقيين والمتذوقين الذين نظروا للموسيقى بصفتها إبداعاً وتربية وتثقيفاً وذائقة راقية.
لا تنطلق كاتبة التقديم من موقف انعزالي وهي تنقد عولمة الموسيقى، بل  بالعكس تنطلق من موقع منفتح على التراث الموسيقي العالمي، ولكن صور العولمة الموسيقية الرائجة لا تنطلق من المنطلق نفسه، وإنما من الرغبة في تسطيح العمل والذائقة الموسيقيين، وتحويلهما إلى مادة استهلاكية مبتذلة فارغة من المحتوى، ومن هنا تنبع خشيتها المشروعة على الطابع المحلي للموسيقى في المجتمع المعني، لا من الاندثار والإهمال فحسب، وإنما من التشويه أيضاً.
برأيها أن التلحين الغنائي الجديد للأغاني الدارجة «يبتعد حثيثاً عن كل ما هو عربي وقومي وتقليدي، وينزلق بسرعة مخيفة في تقليد أغاني البوب الغربية»، كما هي الأغاني ذات الإيقاعات الآلية الراقصة، المكررة، «مسبقة التجهيز» حسب وصفها، وكذلك بعض نماذج الأغاني المصورة استعراضياً فيما يعرف ب «الفيديو كليب».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"