إشكالية تغاير نوعية الالتزامات بالتخفيف في قضية المناخ

22:34 مساء
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد
د. محمد الصياد

د. محمد الصياد *

من خلال استعراضنا للالتزامات الطموحة Ambitious contributions (طموحات المساهمات الوطنية المتعارف عليها في المفاوضات، هي تلك المتصلة بالإرادة الجماعية للدول الأطراف في اتفاق باريس للمناخ، متمثلة فيما تتخذه من إجراءات على الصعيد الوطني، وعلى صعيد مبادراتها الدولية، من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما يكفي للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة) – لاحظنا أن تلك الالتزامات الطموحة التي أعلنتها أو رفعتها لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس لتغير المناخ، حتى الآن، نحو 56 دولة (بحساب دول الاتحاد الأوروبي كدول منفردة)، تنطوي على تغاير بيّن في نوعية هذه الالتزامات. فنجد أن بعضها يتعهد باستهداف «حياد الكربون» في تاريخ محدد (ولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال)، وبعضها الآخر يعلن التزامه بتحقيق صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول تاريخ محدد (كندا، وكوستاريكا، واليابان، والبرتغال، وتشيلي، وبريطانيا، على سبيل المثال)، وبعضها الآخر يعلن عن وضع هدف يعمل على تحقيقه وهو «الحياد المناخي» (أستراليا، والنرويج، على سبيل المثال).

كما هو معلوم، فإنه بعد اتفاق المناخ الذي أبرم في باريس في عام 2015، باتت الدول التي وقعت عليه، تحت الضغط المتزايد، سواء من جانب سكرتارية الأمم المتحدة المعنية بتنفيذ اتفاقيات المناخ، لاسيما الاتفاقية الأم (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ)، واتفاق باريس للمناخ، التي تلح باستمرار، ومن دون توقف أو تلكؤ، على أن تقوم الدول بالمسارعة في تنفيذ تعهداتها بتقديم التزاماتها الطموحة (التي تزيد عما قدمته «كعربون» بعد إبرام الاتفاق في صورة ما سُمّيت «المساهمة الوطنية المحددة»

 – تقديمها في موعد لا يتجاوز عام 2020، موعد بدء سريان اتفاق باريس؛ وكذلك ضغط الوقت الذي يمر بسرعة على الدول كافة، لاسيما الدول التي يتعين عليها إحداث تغيير أو تحول جذري في هياكلها الاقتصادية، وتحديداً الدول المعتمدة على إيرادات صادراتها من النفط أو الفحم أو الغاز، أو التي تعتمد بصورة أساسية على الفحم في محطات توليد طاقتها الكهربائية.

الشركات، بدورها، أصبحت في دائرة الضوء منذ أن ذهبت الدراسات والأبحاث إلى أنها مسؤولة عن نصيب الأسد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تُنشئ حاجزاً من الغاز يحبس الحرارة ويرفع درجة حرارة الأرض. وكان بعض هذه الشركات، قد اتُهم في الماضي بممارسة سياسة «الغسيل الأخضر»، أي المبالغة في تقديم أوراق اعتمادها الخاصة بالمناخ والبيئية لكسب الدعاية والسمعة المطلوبتين لغايات التسويق وإبعاد شبح ضغط «لوبيات» المناخ والبيئة.. كما اتُهم بعض هذه الشركات أيضاً بوضع أهداف تتصدر بها عناوين الأخبار، مع أنها أهداف مستقبلية بعيدة المدى لا يمكن قياسها. وقد كانت شركات الطيران من أوائل الشركات التي تحركت للإعلان عن تبنيها لسياسة «حياد الكربون» (علماً بأن مساهمة قطاع الطيران في إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية لا تتجاوز نسبة 2%)، مما سمح لها بجباية تبرع صغير من عملائها من تذاكر سفرهم لتعويض انبعاثات الكربون الفردية، أي أنها تساهم في موازنة انبعاثاتها بمساعدة الآخرين. إنما السؤال: ما الذي تفعله شركات الطيران، مناخياً، بهذه الأموال التي تجبيها من العملاء؟

في السياق، تتوالى الأخبار حول تعهد شركة ما بالوصول إلى «صفر صافي انبعاثات»، وأخرى إلى «تحييد الكربون»، وثالثة إلى «سالب الكربون». فقبل بضعة أشهر، على سبيل المثال، أعلنت ثاني أكبر شركة تعدين في العالم، وهي شركة ريو تينتو الإنجليزية الأسترالية، عن سعيها للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في كافة عملياتها بحلول عام 2050؛ كما أعلنت شركة طيران دلتا؛ وهي إحدى أكبر شركات الطيران الأمريكية، عن تعهدها بأن تكون أول شركة طيران في العالم تطبق سياسة «تحييد الكربون» اعتباراً من مارس/آذار 2020، باستثمار قدره مليار دولار سيُنفق على مدى 10 سنوات؛ وذلك من خلال مشاريع تراوح ما بين إزالة الكربون عبر دعم مبادرات المحافظة على الغابات، واستعادة الأراضي الرطبة، والمحافظة على الأراضي العشبية، وغيرها من تقنيات الانبعاثات السلبية؛ فيما أعلنت شركتا التكنولوجيا الأمريكية، أمازون، وأبل، وكذلك شركة الطاقة النظيفة وإنتاج السيارات الكهربائية الأمريكية تيسلا، عن عزمها تطبيق سياسة «صفر صافي انبعاثات».

الآن، ماذا تعني كل هذه التعهدات المختلفة؟ وكيف يمكن التفريق بينها أو مقارنتها؟ «صافي صفر انبعاثات»، «محايدة الكربون»، «الكربون بالسالب»؟ هل الأمر يتعلق فقط باختلاف التسميات والمصطلحات من دون المساس بالهدف الجوهري وهو التخفيف، أي خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الستة المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، أم أنها مصطلحات لكل منها مدلوله التطبيقي المختلف عن الآخر؟

والسؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول، هو: ولماذا اللجوء لمثل هذه التعابير المربكة المنطوية على نوع من أنواع «الغموض البديع» الذي قد يفيد التضليل؛ وذلك على النقيض من كل تأكيدات اتفاق باريس للمناخ، في معظم نصوص مواده، على الشفافية والإفصاح الخالي من اللبس؟ يتبع.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"