تركيا والعقوبات الأوروبية

22:36 مساء
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تتجه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى مزيد من التوتر في ضوء التصريحات الصادرة من بروكسل وعواصم أخرى ضد أنقرة، ومنها موقف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي طالبها بوقف الاستفزازات في شرق المتوسط إذا كانت ترغب في تجنب التطرق إلى العقوبات في قمة الاتحاد في ديسمبر المقبل.

من الواضح أن الأوروبيين راكموا ما يكفي لاتخاذ قرارات حازمة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياساته التي يعتبرونها تجاوزت الخطوط الحمر، ليس في شرق المتوسط فحسب، وإنما في صراع ناجورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، وفي قبرص بعد زيارته الأخيرة إلى شمال الجزيرة، وفي سوريا عبر تهديده المتكرر بفتح الحواجز أمام المهاجرين إلى الغرب، وصولاً إلى ليبيا المتهمة فيها أنقرة بنقل المرتزقة ومساعيها لعرقلة الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة سياسياً بعيداً عن الحل العسكري والتدخلات الأجنبية. 

كل هذه القضايا تلامس الأمن الإقليمي للدول الأوروبية وتعرض مصالحها للخطر. وإذا لم ترتدع تركيا فمن غير المستبعد أن تصعد بروكسل لهجتها وتنتقل من سياسة التحذير إلى التنفيذ بفرض عقوبات، وهو ما لا يساعد الوضع الداخلي التركي، في ضوء المصاعب الاقتصادية والانقسامات السياسية التي تتجلى في الانتقادات الشديدة التي يوجهها زعماء أتراك إلى أردوغان، ومن هؤلاء رفاق سابقون له مثل أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان.

كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، وصل به الأمر إلى القول إن تركيا تحولت إلى دولة ترعى الجريمة المنظمة تحت زعامة أردوغان. وهذا الاتهام ذو الوزن الثقيل، لا يعبر عن سجال سياسي بين معارضة ونظام، وإنما يعكس حالة التبرم والحيرة من سياسات الدولة الرسمية. ويشير تعالي أصوات المعارضة المطالبة بتحصين الديمقراطية والاحتكام إلى علوية الدستور ونزاهة مؤسسات الدولة، إلى أن أزمة سياسية بدأت تتشكل في الداخل، ولن ينفع معها تسويق «الانتصارات» في المحيط. لأن كل الأزمات، التي تتدخل فيها تركيا ستأخذ طريقها إلى الحل في الأشهر المقبلة، وهذا ما يتم رصده في نقاط توتر عدة مثل القوقاز وليبيا بسبب أن الأوضاع الإقليمية والدولية لم تعد قادرة على تحمل مزيد من الصراعات والحروب بالوكالة التي ألحقت أضراراً فادحة بالأمن والسلام العالميين.

إزاء كل هذه القضايا يمكن التسليم بأن الصبر الأوروبي حيال تركيا بدأ ينفد فعلاً. وكذلك الشأن بالنسبة إلى روسيا بعدما أبلغ رئيسها فلاديمير بوتين أردوغان أن انتشار قوات تركية قرب خطوط التماس في كاراباخ يشكل «عملاً استفزازياً» للقوات الروسية المنتشرة في المنطقة بموجب اتفاق إنهاء الحرب. أما الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، فمن المبكر استطلاع موقفه، لكن المؤكد أنه لن يسعى إلى «استرضاء» أنقرة على حساب حلفاء بلاده الأوروبيين الذين ينتظرون دخوله البيت الأبيض، ليس لإصلاح ما أفسدته سياسات السنوات الأربع لدونالد ترامب، وإنما لضبط العلاقات الدولية والوقوف بوجه التجاوزات «الشعبوية» التي كادت أن تقود العالم كله الى الهاوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"