عادي

رفض الديمقراطيات الحديثة‮.. فهم أعوج للمتطرفين

23:24 مساء
قراءة 5 دقائق
1


مع تطور سلطات ووظائف الدولة المعاصرة، ‮ برزت فكرة الديمقراطية باعتبارها من وسائل إدارة شؤون الحكم وتنظيم الدولة في‮ ‬العصر الحديث، ‮ لكن هذه الفكرة‮ «‬الديمقراطية‮» ‬ولدت حساسية‮ ‬غريبة تجاه بعض الشباب المتطرف من دون أن‮ ‬يعرف معرفة صحيحة ومن دون أن‮ ‬يكون على وعي‮ ‬وفهم صحيح لتعاليم ومقاصد شريعته الإسلامية‮.‬
فالبعض رفضها من حيث المبدأ باعتبارها فكرة‮ ‬غريبة‮ ‬يريد الخصوم من خلالها أن‮ ‬يؤثروا في الشعوب المسلمة، ‮ ‬والبعض الآخر تخوف من فكرة الانتخابات التي‮ ‬قد‮ ‬يستغلها الخصوم في‮ ‬رفض الأحكام الشرعية بحجة رأي‮ ‬الأغلبية‮.. ‬والبعض الثالث رفض فكرة تصويت المرأة في الانتخابات العامة.
والحقيقة أن صور الديمقراطية الحديثة ليست مجرّمة ولا محرّمة في‮ ‬المطلق، ‮ ولكن بها جوانب رائعة، ‮وبها جوانب‮ ‬يمكن توظيفها أفضل من توظيفها الحالي‮ ‬بما‮ ‬يحقق مصلحة الناس‮.‬

هذا ما يقوله الدكتور محمد الشحات الجندي، ‮‬أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر، ‮ ‬وصاحب أكثر من دراسة علمية في‮ ‬هذا الموضوع‮، ويضيف: لا شك أن عملية إدارة شؤون الحكم صارت معقدة إلى حد بعيد، ‮‬ولا شك أيضاً أن كل صور الحكم الحديثة هي‮ ‬وليدة اجتهادات الفكر الإنساني‮ ‬كله، ‮‬وعلى رأسه الفكر الإسلامي‮ ‬بنصوصه الشرعية واجتهادات الفقهاء وتجارب الأمة المسلمة‮، وليس مقبولاً من حيث المبدأ أن يقال: إن مسألة الديمقراطية هي‮ ‬وليدة الغرب، ‮ فهذا ظلم للإنسانية قبل أن‮ ‬يكون تسطيحاً لظاهرة مجتمعية مهمة‮، وأيضاً ليس مقبولاً أن‮ ‬يرفض بعضنا مثل هذه التجارب الإنسانية لمجرد أنها موجودة في‮ ‬أوروبا أو‮ ‬غيرها، ‮ ‬فالحكمة ضالة المؤمن وعليه أن‮ ‬يبحث عنها ومتى وجدها فهي حق له‮.‬
مصدر السلطة
ويتابع: ‬ينبغي‮ ‬أن نعالج ذاتنا من مسألة رفض بعض المسائل بحجة أن‮ ‬غيرنا قد طبقها ويجب أن‮ ‬يكون همنا هو البحث عن كل ما هو مفيد، ‮ ‬وتجنب كل ما هو ضار للمسلمين وللناس كافة‮.‬
ويتوقف الدكتور الجندي‮ ‬عند جزئية‮ ‬يثير حولها بعض المتطرفين جدلاً وهي‮ ‬مسألة أن الشعب أو الأمة مصدر السلطة السياسية‮.. ‬فالرؤية المتطرفة تخشى أن‮ ‬يكون هذا المبدأ الديمقراطي‮ ‬ضد إيماننا نحن المسلمين بأن الحكم الإلهي‮ ‬هو مصدر السلطة والتشريع‮.‬
فكون الأمة مصدر سلطة إدارة الحكم‮ ‬يعني‮ ‬أن ولي‮ ‬الأمر عندما‮ ‬يمارس ولايته‮ ‬يكون ذلك بإرادة الناس واختيارهم، ‮ ‬وهذا مبدأ‮ «‬بيعي‮» ‬في‮ ‬النظام الإسلامي‮ ‬فليس الحاكم عندنا نصف إله كما كان في‮ ‬بعض أنظمة الحكم الفرعوني، ‮‬أو في‮ ‬العصور الوسطى في‮ ‬أوروبا، ‮ ‬بل ولي‮ ‬الأمر في‮ ‬التجربة الإسلامية الواسعة‮ ‬يأتي‮ ‬باختيار الناس‮ عن طريق البيعة سواء بيعة بعض النخب في‮ ‬المجتمع‮ «‬ما في‮ ‬البرلمانات حديثا‮ً» ‬أو بيعة الشعب بالوسائل المتاحة، ‮‬فالولي‮ ‬عندنا هو ولي‮ ‬بالوكالة عن الناس وخادم لمصالح الأمة، ‮‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تختار، وبيعات الرسول وبيعات الخلفاء ومبدأ الشورى والتفاصيل التي‮ ‬وضعها الفكر الإسلامي‮ ‬في‮ ‬مواصفات من‮ ‬يستشار وحدود الشورى والرقابة في‮ ‬جل شؤون المسلمين، ‮ ‬من الحرب إلى السلم، ‮‬ومن الأمور الاجتماعية إلى سياسة الرعية ومن الفتوى الشرعية إلى مجالات العدل والقضاء‮.. ‬هذا وغيره‮ ‬يجعل مبدأ الأمة مصدر السلطة مبدأ شورياً، ‮ ‬يدعو لخدمة الناس، ‮‬ورد الأمر لأهل الاختصاص‮: «‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي‮ ‬الأمر منهم لعلمه الذين‮ ‬يستنبطونه منهم‮».‬
الشرع والعقل والمصلحة
يضاف إلى هذا أن مسألة رضا الناس واختيارات الأمة لو وضعناها في‮ ‬البيئة المسلمة فسوف نضبط كثيراً من شطط الديمقراطية وغلو أصحابها ونُزيل التخوفات التي‮ ‬يتخوف منها بعضنا‮.‬
إن تربية الأمة على قيم الشورى الحاكمة لحركة المجتمع المسلم كله، ‮‬من الحياة الزوجية‮ «‬فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور‮» ‬حتى علاقة ولي‮ ‬الأمر برعيته كما أمر القرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬وشاورهم في‮ ‬الأمر‮»‬، ‮ ‬وكما صارت صفة للجماعة المؤمنة‮ «‬وأمرهم شورى بينهم‮». ‬وضبط اختيارات الناس بمصالح المجتمع العامة، ‮وتعقل العلماء والحكماء مع النص الشرعي‮ ‬القاطع‮.‬
أقول إن هذا المثلث‮ «‬المصلحة والشرع والعقل الجمعي‮» ‬سوف نتجاوز به تجاوزات الديمقراطيات المعاصرة خاصة في‮ ‬الجانب الذي‮ ‬يعادي‮ ‬بسببه البعض هذه الديمقراطية، ‮ ‬وهو الخوف من‮ ‬غلو الاعتماد على الأمة كمصدر للسلطة‮.‬
التصويت‮.. ‬شهادة وتناصح
وهناك جزئية أخرى تسبب حساسية ضد صور الديمقراطيات المعاصرة وهي‮ ‬المتعلقة بعملية الاعتماد على أصوات الناس وآرائهم في‮ ‬صدور القرارات، ‮‬ومشاركة المرأة على وجه الخصوص بالتصويت‮.‬
فبعض المتطرفين  كما ترصد الدكتورة كوثر المسلماني‮ ‬أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ‮ ‬يرفضون عمليات التصويت تخوفاً من‮ أن ‬يصبح الحكم الشرعي‮ ‬محل تصويت، ‮ وبالتالي‮ ‬يمكن لأصوات الأغلبية أن تحل مثلاً بعض ما حرمه الله‮.‬
فهذا التخوف ليس له أساس من الواقع،‮ ‬لأن الأحكام الشرعية القاطعة ليست موضع تصويت من الناس، ‮ ‬فكل من الحرمة والحل له قواعده الشرعية الثابتة في‮ ‬الفكر والممارسة والمجتمع المسلم ومجامعه الفقهية في‮ ‬ضوء قواعد الإسلام العامة‮.‬
أما مسألة مشاركة الناس في‮ ‬القضايا المتعلقة بإدارة شؤون الدولة، ‮‬فهي‮ ‬مشاركة بالرأي، ‮‬تعد من قبيل قاعدة اهتمام المسلم بالشأن العام كما في‮ ‬حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬من لم‮ ‬يهتم بأمر المسلمين فليس منهم‮»‬، ‮والمشاركة عندما‮ ‬يستدعي‮ ‬المواطن للقيام بها، ‮‬هي‮ ‬تدخل في‮ ‬معنى إعطاء الشهادة، ‮والقيام بواجب النصح والأمر بالمعروف وتأكيد وحدة المسلمين الذين هم كالجسد الواحد‮.‬
وفي‮ ‬الحديث‮: «‬الدين النصيحة‮» ‬قلنا لمن‮ ‬يا رسول الله؟ قال‮: «‬لكتاب الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‮» ‬رواه مسلم‮.‬
مبادئ للنساء والرجال
أما رفض مشاركة المرأة في‮ ‬العمل العام بالتصويت أو‮ ‬غيره، ‮ ‬ كما تؤكد الدكتورة كوثر  فهو تطرف في‮ ‬غير محله‮.‬
إن التكليف والمشاركة والتعلم والتناصح والمبايعة والدعوة هي‮ ‬مبادئ إسلامية قررها الشرع للنساء كما قررها واعترف بها للرجال‮. ‬يقول الحق سبحانه‮: «‬من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا‮ ‬يعملون‮» ‬ويقول‮: «‬والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‮ ‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‮».‬
ومما له دلالة هنا‮ ‬: كما تشير د‮. كوثر‮- ‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الناس ذات‮ ‬يوم: «‬أيها الناس‮» ‬فسارعت أم المؤمنين‮ «‬أم سلمة‮» ‬إلى المجلس، ‮ ‬فتعجب البعض، ‮ ‬فقالت رضي‮ ‬الله عنها‮: «‬ألست من الناس»؟
وتتعدد الشواهد على هذا، وعلى فرض تحفظ بعض الدول على مبدأ‮ «‬تصويت المرأة‮» ‬إلا أننا يجب أن نفهم هذا في‮ ‬سياق حقيقتين: الأولى أنه موقف لظروف اجتماعية وليس لأسباب تتعلق بأحكام الشرع‮، والثانية أن هذا الموقف الاجتماعي‮ ‬لا‮ ‬يجوز أبداً أن‮ ‬يجعل بعضنا‮ ‬يرفض كل صور الممارسات الديمقراطية الحديثة‮.‬
وبالقدر الذي‮ ‬ندعو فيه بعض الشباب إلى التخلص من مثل هذه الأفكار المتطرفة، ‮ ‬ندعو المجتمع المسلم بل المجتمع الإنساني‮ ‬كله إلى ألا‮ ‬يحول الديمقراطية إلى أداة للفرقة والشقاق والطغيان من القوي‮ ‬على الضعيف، ‮حتى‮ ‬يحافظ الناس على تجاربهم الإنسانية التي‮ ‬اكتسبوها على مر العصور‮.‬
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"