عادي

هل نصلي على القاتل؟

23:19 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

قتل النفس بغير حق محرم شرعاً ومن الكبائر لقوله تعالى: «وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ»، (الآية 151 من سورة الأنعام).
والقاتل هنا قد يكون قاتلاً لغيره قتل عمد، وهو الداخل في هذه الآية التي ذكرناها، فمن قتل نفساً متعمداً، عدّ قاتلاً لغيره بغير وجه حق، ومثل هذا قد ارتكب كبيرة، ويجب أن يقتص منه شرعاً، والقصاص هنا لا يخرجه من الملة متى كان مسلماً في الأصل وارتكب جريمة القتل.
لذلك فإنه من قتل قصاصاً أي حداً يصلي عليه، رغم أنه ارتكب هذه الجريمة النكراء، فهو قتَل وهو الآن قُتل قصاصاً، والقصاص كفارة لجريمته إن شاء الله.
وفي الحديث أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، صلى على الغامدية التي زنت وهي محصنة، فأمر برجمها، ثم صلى عليها، لأن إقرارها بذنبها ثم توبتها يمحوان عنها الذنب، إن شاء الله، وإقامة الحد عليها من أسباب الكفارة عن الذنب، وهنا يرد سؤال آخر وهو: هل يجوز أن يصلَى على المنتحر الذي قتل نفسه بيده؟
نقول أيضاً: المنتحر ارتكب جريمة القتل في حق نفسه، لكن عمله هذا لا يخرجه عن ملة الإسلام، وما ورد في أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يصل على مثل هذا، ما هو إلا من قبيل الزجر والردع، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه»، (رواه مسلم).
يقول الإمام النووي: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، وقد ورد أنه لم يصل على مَن عليه دين أيضاً، لكن صلى الصحابة على المدين بأمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، فهو ليس بكافر، لكنه أتى بما يحرمه من بعض الامتيازات، وعند الإمام مالك تكره الصلاة على المرجوم بحد والفساق، وذلك زجراً لهم (انظر شرح مسلم للنووي ج7 ص47).
إذن نفهم من هذا أنه لا يجوز ترك الصلاة على جنائز أهل الكبائر من المسلمين عموماً، وقد قلنا إن الرسول لم يصل على صاحب الدين وقال: «صلوا على صاحبكم» لماذا، لأنه لم يخرج عن ملة الإسلام، فلابد أن يصلي عليه أحد من المسلمين.
وعموم الأدلة يدل على أنه تجب الصلاة على أموات المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يصِل فجوره إلى حد الشرك بالله وقد قال تعالى: «إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ» (الآية 116 من سورة النساء).
وللتحذير من الشرك يقول الشاعر:
كن كيف شئت فإن الله ذو كرم
وما عليك إذا أذنبت من باس
إلا اثنتين فلا تقربهما أبدا
الشرك بالله والإضرار بالناس
لا يقصد الشاعر من قوله هذا أن ترتكب سائر الكبائر من غير حرج، كلا فالكبائر هي كبائر، لكنه أراد أن يشنّع بعض الكبائر أكثر، فالشرك أكبر الكبائر، والظلم ظلمات يوم القيامة.
والخلاصة أن القاتل يُغسّل ويكفن باتفاق جميع المذاهب، وفي الصلاة عليه ذهب الجمهور
 من الحنفية والمالكية والشافعية إلى وجوب الصلاة عليه لقول الرسول «صلوا على صاحبكم».
وهناك قول ينسب إلى أحمد والأوزاعي وأبي يوسف مفاده: لا يصلي عليه أهل العلم والفضل، لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حديث ابن سمرة رضي الله عنه قال: كيف مات الرجل؟ قيل: نحر نفسه بمشقص، قال ابن سمرة: فلم يصل عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"