موسيقى بلاد الرافدين

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

د. نورة صابر المزروعي

يعتبر فن الموسيقى من المهن الراقية في حضارة بلاد الرافدين، فقد عمل الموسّيقيون في مناصب مهمة، منهم من عمل في المعابد لإقامة الحفلات الدينيّة والمراسم الجنائزية، وآخرون عملوا في القصور الملكيّة، والحديث عن الموسيقى يستدعي الحديث عن الكهنة الذين كانوا يؤمنون بوجود قوة كونية تملك من الأسباب ما يجعلها قادرة على تحريك مجريات هذا الكون، فكانت تجرى طقوس جماعية من أجل رضى هذه القوة الكونية. 

ويرجح أهالي بلاد الرافدين بأن المصائب التي تحل بالبلاد كالأمراض والكوارث الطبيعية، إنما تحدث بسبب غضب الآلهة، وكان يجب استرضاؤها بكافة الوسائل المتاحة، لذا كانت تقام الصلوات الجماعية، بالدعاء والمناجاة، والتراتيل وقراءة التعاويذ، وتقديم القرابين أملاً في رضاها، لكي تنجلي الكوارث وتشفى الأمراض التي حلت في البلاد.

الكهنة بدورهم مالوا إلى وسائل العزف على الآلات الموسيقية لاسترضاء الآلهة، فكانت الموسيقى حاضرة في كل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ومن شدة تعظيم الفنون والموسيقى أطلقوا على إله يدعى ( إيا) إله الموسيقى، حيث اعتقدوا أن الموسيقى لها قوة سحرية على العقل، مشابهة لتأثير الأدوية على صحة جسم الإنسان، وقد اعتقد كهنة المعابد بأن للموسيقى قوة علاجية ناجعة للأمراض النفسية والفسيولوجية، وهذا ما عرف بالمعالجة بالموسيقى في الحضارات القديمة. 

أشار الباحث سامي الموصلي في كتابه «العلاج بالموسيقى» بأن الفنون تعتبر جزءاً متأصلاً في حضارة بلاد الرافدين، فاستخدمت الموسيقى في المعابد لأغراض علاجية، كما تبين النصوص المسمارية اهتمام المعابد على نحو خاص بالموسيقى، وقد خصص كبار الكهنة مجموعة من الأفراد ذوي المهارات الفنية في العزف والغناء والتراتيل وحتى رثاء الموتى، واشتهرت طبقة من الكهنة الموسيقيين عرفت باسم «كالا-ماخ»، وتتألف من كبار رجال المعابد، وهؤلاء اكتسبوا مكانة رفيعة عند الملوك، وبعضهم من كان مختصاً بالمآتم الملكية، فيقومون برثاء الملوك بطريقة خاصة تليق بمقام وهيبة الملك.

ومن المهم هنا، الإشارة إلى أن الرثاء قد صنف في بلاد الرافدين بوصفه يتسم بأسلوب أدبي رفيع المستوى، كما كانت المرثيات عندهم تنقسم إلى صنفين: مرثيات فردية وجماعية لها صلة بالملوك والأفراد، ومرثيات تختص برثاء المدن المدمرة في بلاد الرافدين، سواء كان الرثاء بفعل الكوارث الطبيعية والبيئية أو بفعل العوامل البشرية كالحروب والمعارك، وهناك العديد من المرثيات الأدبية التي تعد وسيلة للتنفيس عن الحزن الذي حل بالبلاد ومنها «مرثية مدينة أور.. بلاد سومر وأكد» وتشتمل على 526 سطراً وخمسة مقاطع، وبشكل عام فقد احتلت المرثيات المنغمة مكانة مهمة في بلاد الرافدين، لدورها في التذكير بالمآسي التي حلت بالملوك والمدن، حتى تظل عالقة في ذاكرة الشعوب.

Almazrouei2013gmail.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"