أسواقنا القديمة

01:18 صباحا
قراءة دقيقتين

 

طرح برنامج على إحدى محطات الإذاعة سؤالاً على المستمعين حول أي الأسواق يفضلون في بلدانهم، أو مدنهم: الأسواق التقليدية، أم تلك الحديثة ممثلة في المجمعات التجارية الكبيرة، التي تتجمع فيها شبكة خدمات متنوعة؟
تحدثت في البرنامج شابة يمنية حول تجربتها في الاهتمام بتطوير السوق الشعبية في مدينتها، لكن مع الاحتفاظ بطقوس وتفاصيل هذه السوق، حرصاً على ألا ينال التطوير المقصود من طبيعة ما هو موروث من أجواء السوق، والاستعاضة عنها بأشكال جديدة تُغيّرها، أو تفسدها.
مواطن مصري مقيم في إيطاليا تحدث بحب عن أسواق وأماكن خان الخليلي، التي يفضلها على محال التسوق الحديثة، مؤكداً حرصه، كلما تواجد في مصر، على زيارة المكان، والاستمتاع بأجوائه، معدداً بعض التفاصيل المحببة فيه، بما فيها المقاهي الشهيرة، مثل «الفيشاوي» التي ارتبط ذكرها بالكاتب نجيب محفوظ.
ما من عاصمة، أو مدينة عربية عريقة، تخلو من مثل هذه الأسواق الشعبية التي تشعرك بحضور الزمن، ودفئه، فمثل خان الخليلي في القاهرة يمكن ذكر سوق الحميدية في دمشق، ومثلهما تحضر على البال الأسواق القديمة في بلدان المغرب العربي مثل «المدينة العتيقة» في العاصمة التونسية، ومن أجمل الأسواق التقليدية التي شاهدتها، ولا يمكن أن أنساها السوق القديمة في مدينة فاس بالمغرب، التي تشعرك، ومن دون أي مبالغة، بأنك انتقلت إلى الماضي، إلى التاريخ.
ومن همْ في جيلي، وأكبر، من أهل البحرينن تشدّهم علاقة قوية، لعلها أشبه بالحنين، إلى سوق «باب البحرين» بالمنامة، والسوق الشعبية في المحرق، وما يقال عنهما يمكن أن يقال عن أسواق مشابهة في الكويت، والإمارات، وسلطنة عمان، وغيرها.
المحزن أن الكثير من الأسواق التقليدية العربية ومحيطها تعرض للزوال، إما بسبب الحروب والفتن، وإما بسبب خطط التعمير العشوائي الذي لا يقيم وزناً للذاكرة المعمارية والوطنية للمدن، والبلدان المعنية، وعلى سبيل المثال، فإن الحرب الأهلية في لبنان أتت على الأسواق التقليدية الشهيرة في وسط العاصمة بيروت، مثل أسواق النورية، والطويلة، وإياس، وسرسق، وغيرها.
وحين جرى إعمار مركز المدينة المدمر غاب أي حرص على الحفاظ على طابع هذه الأسواق، وروحها، فأقيم المشروع الضخم الذي كلّف لبنان ديوناً باهظة المعروف ب«السولدير»، الفاقد للروح رغم فخامته العمرانية، كأن فلذة من كبد المكان اقتطعت، ولم تعد. لقد غابت روح المدينة الحيّة، وحلّت مكانها الحيطان اللامعة البليدة.
جيد أن يجري ترميم هذه الأسواق، لكن لكي تبقى محتفظة بروحها، وشكل عمرانها، لا أن تقتل هذه الروح بأبراج من أسمنت.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"