ثورة ما بعد «كورونا»

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لم يمنع التفاؤل العالمي المتسارع بالتوصل إلى لقاحات ناجعة ضد وباء كورونا المستجد، توالي التحذيرات من استمرار التفشي، لا سيما في أوروبا التي حذرتها منظمة الصحة العالمية من موجة ثالثة مطلع 2021، بالتزامن مع إعلان بعض دول القارة عن عزمها على تخفيف القيود والبدء بتعديل قواعد الإغلاق، على أمل أن ذروة الجائحة قد تم تجاوزها بمعاناة.

إذا كان الأسوأ قد مر، فإن السيئ أن تحمل الفرحة الواسعة باللقاحات، الحكومات إلى المسارعة بالاستجابة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتبدأ في إنهاء إجراءات الوقاية، ما يؤدي إلى تضخم حصيلة الإصابات والوفيات، كما هو حال أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حيث يبدو التفشي الراهن أقسى من الموجة الأولى في الربيع الماضي، وسط تحذيرات من اختناق المستشفيات وعجز الطواقم الطبية عن تلبية الخدمات الصحية، فضلاً عن المعارك السياسية الناشبة بين الحكومات وأحزاب المعارضة وأرباب العمل والنقابات. أما في الولايات المتحدة، فسيسبب التجاذب الحاد بين إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وفريق الرئيس المنتخب جو بايدن في تدهور الوضع الصحي، بعدما بدأت البلاد تسجل أكثر من مليون إصابة أسبوعياً، بينما تجاوزت حصيلة الوفيات 250 ألفاً.

معركة البشرية مع جائحة كورونا لن تضع أوزارها قريباً، وإن كانت علامات النصر تلوح واضحة على أكثر من صعيد. والرهان اليوم، كما يقول القادة والخبراء، على اللقاحات وليس على الاستمرار في الإغلاقات وتعطيل الاقتصاد. ولكن المشاكل ستبدأ مع اعتماد مجموعة من اللقاحات التي بدأت مبكراً في تنافسية حادة بين دول وشركات، وهو ما تم التطرق إليه في قمة مجموعة العشرين في السعودية. فأغلب المواقف وأكثرها حكمة مع التوزيع العادل للتطعيمات وتمكين مختلف الشعوب من لقاحات ميسرة تساعدها على تجاوز المرحلة الصعبة وتعيد لها الأمل في تنشيط الاقتصاد واستعادة الحياة الطبيعية كما كانت، وربما أفضل إذا توفرت المحفزات وزالت نزعات الهيمنة والجشع.

قبل اعتماد اللقاحات، بدأت حرب الأسعار بين الدول والشركات، وكل منها تحاول أن تسوق بضاعتها وتثني على مزاياها، بينما الأصل أن تكون الأدوية متاحة لجميع الناس باعتبارها حقاً من حقوق الانسان، وقبل أي حق آخر، فالبشرية لم تعرف في تاريخها الحديث محنة شاملة طالت أركان الأرض مثلما فعل «كورونا»، ويفترض أن تحدث العبرة منه ثورة في التعامل الانساني مع الجوائح والأزمات. والدرس المستفاد، مثلما يقول الخبراء، ألا دولة، مهما عظمت، تستطيع أن تواجه بمفردها كارثة بمثل هذا الألم والشمول، وهو ما يفرض تبني استراتيجيات جديدة تقوم على التضامن والتعاون والتواضع أيضاً، خصوصاً بعد أن باتت الدول الأكثر تقدماً وغنى، الأكثر تضرراً وعجزاً عن مواجهة الفيروس وتأثيراته. وإذا كان في هذا الأمر حكمة أو عبرة، فستدفع باتجاه مراجعة العلاقات الإنسانية، وربما إعادة بنائها على معايير جديدة لا ترتهن إلى مستويات القوة والضعف، وإنما على أساس القدرة على الانفتاح ونبذ العزلة والانغلاق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"