عادي

«أرض الأحلام»خيوط مـتقطعة وقصة تفتقد العمق

23:54 مساء
قراءة 4 دقائق
1
1

مارلين سلوم
 

تحب السينما الاحتفاظ بأساطيرها، وإعادة إحيائها كل فترة؛ كي لا تموت تلك القصص والشخصيات الملهمة، والتي تستطيع على مر السنوات إثارة الجدل حولها، وجذب الجمهور إلى الصالات. ومثلما تستغل السينما العربية قصة الأختين ريا وسكينة وتعيد تقديمها بأشكال درامية أو كوميدية متنوعة، تعيد السينما الأمريكية إنتاج أفلام عن الزوجين الأشهر في عالم السرقة والجريمة «بوني أند كلايد» (بوني إليزابيث باركر وكلايد تشيستنت بارو) أو قصص مستوحاة منهما، ومن أجواء الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة. ومن أحدث هذه الأعمال «أرض الأحلام» الذي تم إنتاجه العام الماضي ولم يخرج للنور في الصالات إلا في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وأتيح للجمهور سريعاً مشاهدته منزلياً عبر المنصات الرقمية بعد أربعة أيام فقط من بدء عرضه؛ نظراً لاستمرار انتشار «كوفيد-19» حول العالم.

«أرض الأحلام»، لا الاسم جديد على السينما ولا المضمون غير مسبوق أو أنه يطرح قضية مهمة أو يسلط الضوء على نقاط عالقة أو لم تعالج في «هوليوود»؛ لذلك، يحمل صنّاع هذا العمل على عاتقهم مهمة أصعب لإقناع الجمهور للإقبال على المشاهدة ومن بعدها إبداء الرأي والإعجاب؛ لذا يعد المخرج مايلز جوريس بيرافيتي هو كلمة السر في هذا الفيلم، وهو من انتشله من «الفراغ» وبالتالي الفشل. وبفضل المخرج أيضاً، استطاع أبطال الفيلم التفوق في الأداء لدرجة أننا شعرنا في بعض اللقطات أن ملامح الممثلين وتجسيدهم للحالة أغنى بكثير من الحوار والكلام الذي كتبه المؤلف نيكولاس زوارت. يحسب لزوارت أنه لعب على «التشويق» بحرفية، وأجبرنا على متابعة المشاهدة؛ لمعرفة الحقيقة التي خبأها إلى مشهد النهاية؛ لكن قصته تفتقر إلى مضمون ثري وقضية مهمة يمكن أن تلامس مشاعر وأفكار سكان الأرض في زمننا هذا، وتذهب أبعد من مجرد حكاية عصابة تسرق مصارف وشاب يبحث عن أبيه ويعيش في عالم المغامرات ليصير جزءاً منها.
يسهل اختصار قصة «دريم لاند»؛ أي «أرض الأحلام» والمقصود بها «المكسيك»، على عكس السائد في الأفلام الأمريكية؛ حيث كان الحلم دائماً الانتقال من المكسيك باتجاه أمريكا والتي تعد منذ زمن «أرض الأحلام». منذ البداية اختار زوارت أن يكون للقصة راويها الذي يتوجه بحديثه مباشرة إلى الجمهور. نحن في الثلاثينات، وتحديداً 1935، والراوية فتاة تخبرنا قصة أخيها غير الشقيق، ووالده جون بيكر الذي جاء مع زوجته ومجموعة من الناس إلى «بيسمارك» في تكساس التي قيل لهم إنها أرض خير ورزق، فإذا بها فقيرة معرضة باستمرار للعواصف الرملية. لا يطيق جون البقاء فيدمن الكحول ثم يترك زوجته أوليفيا (كيري كوندن) وطفلهما يوجين ويقصد «أرض أحلامه» المكسيك. تتزوج لاحقاً الأم من جورج إيفانس (ترافيس فيميل) ويرزقان بالطفلة فيبي (داربي كامب) وهي التي تروي قصة أخيها بعد 20 عاماً من آخر لقاء بينهما، ويمكن القول إن أهم ما في قصة الفيلم هي تلك العلاقة بين الطفلة الشديدة الذكاء وأخيها الشاب المراهق (17 عاماً)، وسبب فراقهما.
موهبة
فين كول ممثل يؤدي دور يوجين وكأنه يفجر كل موهبته، ويثبت مدى نضوجه فنياً، فيكون هو محور الأحداث واللاعب الرئيسي في الملعب. وهي ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها فين مع النجمة مارجو روبي (عملا معاً في فيلم «مسلخ سلوترهاوس») وهي تؤدي في «أرض الأحلام» دور أليسون ويلز المرأة الهاربة من الشرطة والمطلوب القبض عليها «لأنها مجرمة تقتل كل من يتعرف إليها»، هكذا يقولون عنها. وبما أن يوجين يعشق قصص المغامرات والتشويق ويسرق مجلات القصص المصورة ليقرأها، يتفق مع صديقه جو على البحث عن أليسون ليحصلا على الجائزة، فيتمكن يوجين من البحث عن والده جون. لاحقاً يكتشف الشاب أن المجرمة الهاربة تختبئ في كوخ صغير تابع لمزرعتهم ولا تبعد عن المنزل سوى خطوات. يجدها مصابة برصاصة في رجلها، فتقنعه بمساعدتها؛ كي تتمكن من الهرب إلى المكسيك، وبأنها سرقت مع صديقها بيري مونتروي أربعة مصارف «لكنها لم تقتل أحداً»، وهي النقطة التي استوقفت يوجين، فتعاطف معها وساعدها.
مارجو روبي ليست في قمة أدوارها، لكنها كعادتها جيدة، إنما يفوقها قوة وتميزاً في هذا العمل الممثل البريطاني فين كول والذي يصغرها سناً في الحقيقة وفي الدور، كذلك تلعب الطفلة داربي كامب (13 عاماً) دوراً مؤثراً، وإذا استمرت في التمثيل فستكون من نجمات الصف الأول بلا شك؛ لما تملك من موهبة و«كاريزما».
لا يعتمد الفيلم على «كورس» وزحمة ممثلين؛ بل الأعداد محصورة ومحدودة، كما كانت العادة في الأفلام القديمة. طبعاً الجانب التشويقي ناجح في الفيلم ويشكل عاملاً مهماً في هذه القصة، وتطور الأحداث يجعل الجمهور مشدوداً منتظراً النهاية التي أرادها المخرج أن تكون ذروة الأحداث وذروة التشويق، وتفنن فيها إخراجياً، خصوصاً أنه في الأغلب اعتمد أسلوب التصوير من أعلى في معظم المشاهد لا سيما الخارجية. 
براعة مايلز جوريس بيرافيتي تبهرك في لقطات استثنائية، يكون التصوير فيها هو الملك، مثل مشهد خروج جورج من منزله في عز العاصفة الرملية الأشبه بالإعصار، ومحاولته مصارعة الرياح والسير للوصول إلى الكوخ حيث تختبئ أليسون ومعها يوجين.
ما يجمع يوجين بأبيه وبالمرأة التي يقع في غرامها على الرغم من أنها مجرمة وسارقة، هو الحلم، والرغبة في الذهاب إلى أرض الأحلام المكسيك. امرأة خارجة على القانون تغري «الولد» كما تطلق عليه بالحصول على الكثير من المال والسفر إلى المكسيك، على الرغم من علمه بأن والده على الأرجح قد مات ولم يحقق شيئاً من أحلامه هناك. إنه الإغراء بمختلف أشكاله وأنواعه، والصراع الدائر في نفس البطل كان يحتاج لكلمة من طفلة صغيرة كي يكمل المجازفة ويواصل رحلته بعيداً. 
شك
صوت الراوية والتي أدتها لولا كيرك، يزرع الشك في نفوس المشاهدين، هل الرواية حقيقية، وهل لها علاقة بالواقع أم أنها شكل من أشكال التأثير على الجمهور؟ مارجو روبي الشريكة أيضاً في إنتاج هذا الفيلم، تجتهد كثيراً وتبدو كمن يريد أن يحمل العمل فوق كتفيه ليبقيه عالياً بنظر الجمهور. جهد واضح، في فيلم كان يحتاج إلى عمق في القصة ونقاط جديدة يفتح أعين الجمهور عليها، في حين بقي إحساسنا أن هناك شيئاً ما ناقصاً، خيوط متقطعة وطريق كاد أن يصل بنا إلى أرض الحلم؛ لكنه أفلت من يدي الكاتب.

 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"