«سلام» أفغانستان

23:16 مساء
قراءة 3 دقائق

علي قباجه

حمل العام الحالي بين طياته الكثير من المتغيرات في أفغانستان، مع انفراجة «تاريخية» بين الخصمين اللدودين؛ الولايات المتحدة ومن خلفها حلف «الناتو» وحركة «طالبان». واشنطن مضت في خطتها لسحب جنودها بتوقيع اتفاق ينهي حالة الحرب القائمة بما يمهد سحب الجنود من البلاد، ووقف نزيف الخسائر التي أوجعتها دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافها؛ فخلال 19 عاماً من عمر الحرب، قتل وفق أقل التقديرات 2300 جندي، وأصيب نحو 20660 آخرين، في وقت بلغت الخسائر المادية أرقاماً ضخمة، فحسب وثائق «البنتاجون»، فإن مجموع الإنفاق العسكري في أفغانستان تجاوز 822 مليار دولار، وهذه المبالغ لا تشمل الأموال التي أنفقت في باكستان، التي استخدمت أمريكا أراضيها قاعدة لعمليات عسكرية في جارتها، في حين أشارت دراسات مستقلة إلى أن الكلفة الحقيقية هي تريليونا دولار.

ثمن الحرب لا يحسب فقط بعدد الخسائر البشرية والأموال التي بددت؛ بل إن الانتكاسة الكبرى تكمن في عدم تحقيق أي انتصار لما سيتبع ذلك من أثمان ضياع الهيبة والنفوذ في العالم، التي طالما تباهت بهما واشنطن؛ فالإدارة الأمريكية توصلت لحقيقة مفادها بأن وجودها في تلك البلاد الوعرة عبء في ظل متغيرات عالمية كثيرة، فهي أولاً: فشلت في بناء حكومة قوية تملك زمام المبادرة وقادرة على مواجهة هجمات «طالبان» أو توسعها، بينما الضغوط الداخلية زادت حدتها بدعوات لوقف الصرف على أهداف لا طائل منها، وبالفعل لامست هذه المطالب توجهات إدارة ترامب التي صادقت على خطط لإعادة جنود أمريكا إلى الوطن، في وقت يشهد العالم انكماشاً اقتصادياً، ومزيداً من التوترات.

الحرب العسكرية باتت بلا مضمون بالنسبة للبيت الأبيض، فالهدف الأساسي من الغزو في 2001 كان القضاء على تنظيم «القاعدة» وتحييد زعيمه، ونجحت في ذلك مؤقتاً، لكن في الآونة الأخيرة فإن التنظيم ازدادت شوكته ليس فقط في أفغانستان؛ بل انتشر في العالم أجمع وتولد عنه تنظيم «داعش» الأشد شراسة، والذي لم يتوان في تنفيذ عمليات أودت بالمئات، وآخرها مقتل 14 شخصاً، في تفجير مزدوج في إقليم باميان (وسط). لذا فالاتفاق بالنسبة للولايات المتحدة هو المخرج الأقل إحراجاً لها، فاتحة للحركة والسلطات الباب لمفاوضات تفضي إلى حكومة شراكة بغض النظر عن شكلها، والتي تصر «طالبان» على طابعها الإسلامي، فضلاً عن أنها تملك قوة تهدد وجود الحكومة الحالية وتماسكها، ومن الوارد إعادة تموضعها لما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي.

لكن على الرغم من عدم تحقيق واشنطن لمبتغاها، فإنها لا تزال تمسك بخيوط عدة، لإخضاع الأطراف لإرادتها، منها تسليط سوط الدعم لإعادة الإعمار، فهي اشترطت إلى جانب أوروبا والأمم المتحدة، وقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار في البلاد، لخلق بيئة محفزة لمحادثات السلام الجارية حالياً، على أن يتم مبدئياً ضخ 12 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وبالطبع فإن ذلك رهن بما يحقق على الأرض، بعدما حسم الاتحاد الأوروبي الجدل حول طموحات «طالبان» بالقول: «إن أي محاولة لإقامة إمارة مجدداً سيكون لها تأثير على مشاركتنا السياسية والمالية». فهل ينجح الضغط المالي بإرضاخ «طالبان» للقبول بالإرادة الأمريكية والدولية.. أم أنها ستستمر في النسق الذي اعتادت عليه؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"