بايدن وحقيقة الصين

23:17 مساء
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

جرت العادة أن تعج المراحل الانتقالية بين الإدارات الأمريكية بتساؤلات وتطلعات عن العهد الجديد وتوجهاته، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بتسلم البيت الأبيض من رئيس جمهوري مثير للجدل والانقسام كدونالد ترامب إلى ديمقراطي منتخب هو جو بايدن الذي قوبل فوزه الأولي بالارتياح لدى أقرب الحلفاء.

لا خلاف في أن العلاقات الدولية ستشهد بعض الهدوء والاعتدال مع وصول بايدن، وهو عُرف دأبت عليه السياسة الخارجية الأمريكية، وقد يأخذ الأمر بضعة أشهر حتى تتشكل الملامح العملية للدور الذي ستلعبه الإدارة الجديدة، ولكن هذه المرة ستطول مرحلة الانتظار، لأن العالم لم يعد كالسابق، ولذلك سيأخذ بايدن مزيداً من الوقت لإعادة ترتيب البيت الأمريكي من الداخل، وعندما ينتهي من تلك المهمة الشاقة، ويتطلع إلى ما وراء البحار سيجد متغيرات كثيرة حدثت في كل مكان، ولكنه سيعمل، كما يقول، على استعادة العلاقات الدافئة مع الحلفاء وإعادة الولايات المتحدة إلى مركز قيادة العالم. وقد ينجح بايدن في هذه المهمة بتدارك كل ما أفسده سلفه ترامب، لكن اصطدامه مع الصين سيكون أمراً حتمياً بعدما أصبح حضورها المتنامي حقيقة غير قابلة للتغيير. ومن هذا المنطلق ستبقى العلاقات بين واشنطن وبكين مثار الاهتمام وحديث الدوائر الاقتصادية والسياسية في الفترة المقبلة، لاسيما بعد أن بلغ التنافس بين القوتين مرحلة شديدة الخطورة وفرض أمراً واقعاً على الصعيد العالمي، يتمثل في صعود الصين قوة دولية تمتلك ترسانة من أدوات صناعة القرار والتأثير، وتحكمت، نسبياً، في عصب التجارة والاقتصاد، وفرضت هيمنتها على دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، بينما بعثرت سياسات ترامب الأوراق الأمريكية في تلك المنطقة، ولم تؤد «حروبه التجارية» إلى أي نتيجة يمكن أن تحفظ مصالح واشنطن على المدى البعيد.

في أول تواصل مبكر بين القيادتين، أبرق الرئيس الصيني شي جين بينج لنظيره الأمريكي المنتخب مهنئاً ومعرباً عن أمله في أن يتمكن البلدان من تعزيز العلاقات الثنائية على نحو صحي ومستقر. وعلى المنوال نفسه يصرح أغلبية المسؤولين في بكين، لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية يشير إلى أن بلاده تأمل في نظرة «منطقية» من الولايات المتحدة، قبل أن يضيف «لا يمكن لأي قوة أن توقف تطور الصين»، الجملة التي يقولها المسؤولون الصينيون من حين إلى آخر، وفي أوقات محسوبة جيداً، لأنها تعبر عن استراتيجية متكاملة انخرطت فيها الصين منذ فترة، ولن تتراجع عنها. وتلك الحقيقة استوعبتها كل القوى الدولية وحاول ترامب مقاومتها بالمكابرة والهجمات «التويترية»، أما بايدن، فيعرفها مذ كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما.

طبيعة العلاقة بين واشنطن وبكين ستكون محدد الاستقرار العالمي لأن التدهور لن يخدم مصلحة أي طرف. وإدارة بايدن ستستمع إلى المؤسسات العريقة والشخصيات النافذة، ومنها وزير الخارجية الأسبق هينري كيسنجر الذي نصح البيت الأبيض بعدم ارتكاب أي خطأ مع بكين قد يؤدي إلى كارثة مماثلة للحرب العالمية الأولى، ولا يبدو أن بايدن سيتجاهل النصيحة ويتجاوز الخط الأحمر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"