نحن.. في مذكراتهم وأسرارهم

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

في حدثين مهمّين وقعا في الأيّام الأخيرة، انكشف الكثير من أسرار السياسة العربية وبانت بعض الحقائق مما يحدث طول السنوات الماضية خاصة في ما يتعلّق بأحداث ما يسمى الربيع العربي.

الحدث الأوّل هو صدور مذكّرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي شدّ الأنظار، ليس لكون الرجل كان رئيس أكبر دولة في العالم، بل لأنّه كان قائد ما يسمى «الربيع العربي» ومهندسه منذ خطاب القاهرة في عام 2009. والحقيقة أنّ حديث أوباما عن زعماء عرب، كان يصرّح في العلن بأنّهم قادة كبار، يثبت أنّ السياسة لا تبنى على الصداقات بل ترتكز أساساً على المصالح والهيمنة والاستراتيجيات المستقبلية لكلّ دولة. ولذلك فما إن اشتعلت الساحات العربية بانتفاضات شبابية غاضبة على أوضاع الفقر والتهميش، حتى قفز أوباما في مركب تلك الانتفاضات وتبنى خطابها وحوّلها من انتفاضات اجتماعية إلى انتفاضات سياسية، وأصبح حلفاء الأمس من الزعماء العرب، قادة غير مرغوب فيهم، وجيء بمن كانوا يتنعمون بدفء لندن وباريس من جماعة الإخوان المسلمين بهدف تسليمهم السلطة.

ما نريد التأكيد عليه أنّ ما يدور في قصور الساسة في الغرب، لا يمضي وقت طويل حتى يخرج في شكل مذكرات لهذا الرئيس الغربي أو ذاك، وعليه فإنّ الدبلوماسية وهي فنّ الممكن، والمواقف المشرّفة لا يمكن لأحد أن ينكرها حتى وإن كان خصماً. واعتراف أوباما بأن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة هو أذكى قائد في المنطقة يؤكّد أن ذلك الحكم لم يأت من فراغ، بل لأنّ الرّجل كان يصدح بمواقفه في إطار الندية وفي إطار الدفاع عن مصالح بلده والمنطقة. وقد أثبتت الأيام صحة تحذيرات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لأوباما من مخاطر تمكين الإخوان من الحكم في المنطقة العربية. وبقيت دولة الإمارات متمسكة برأيها في جماعات الإسلام السياسي باعتبارها جماعات تخريب لا جماعات بناء وتقدّم وازدهار. والأمثلة العربية كثيرة ولا تحتاج لإعادة سردها. وفي كتابه لا نجد أوباما متحدّثاً إلاّ عن المصلحة الأمريكية الخاصّة، وانتقاده اللاذع لإدارات البيت الأبيض، ويأتي هذا ضمن رؤية خاصّة لكيفية ضمان مصالح أمريكا لتبقى دولة قويّة ومزدهرة، وذلك بقطع النظر عمّا يحدث في الدول الحليفة لها أو تلك التي تدور في فلكها.

الحدث الثاني الذي لا يقل أهميّة في نظرنا هو بداية محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي على خلفية اتهامات بالفساد، وهو حدث غير مسبوق في فرنسا، وما يهمنا هو أنّ الرجل كان ضمن مهندسي «ثورات» 2011، بل وكان من أكثر القادة المتحمسين للتدخل العسكري في ليبيا والإطاحة بنظام القذافي، وتسليم طرابلس للميليشيات المسلحة التي مازالت تحكمها إلى اليوم. وساركوزي الذي ساهم في الإطاحة بالقذافي هو نفسه ساركوزي الذي يحاكم اليوم بتهمة الحصول على رشاوى لتمويل حملته الانتخابية في العام 2007، وتحديداً من نظام القذافي. والمؤكّد أن هذه المحاكمة ستشهد كشف الكثير من الأسرار، التي يحارب ساركوزي الآن من أجل إبقائها طي الكتمان. والثابت أنّ ساركوزي سيكشف عن سرّ حماسه لقيادة المعركة في ليبيا، حتى أن فرنسا تولت هي قيادة عمليات الحلف الأطلسي.

ما نريد التأكيد عليه هو أنّ ما يُدار في الغرف المظلمة، وفي دهاليز السياسة الدولية، لم يعد يحتاج في عصر المعلومات السريعة والتكنولوجيا المتطورة إلى وقت طويل حتّى ينكشف. لقد ذهب ذلك المدى الزمني الطويل الذي يمكن بعده كشف أسرار الحكومات والقصور، فلا شيء اليوم يمكن أن يظل طيّ الكتمان.

ترى كم من الأسرار سيتم كشفها عمّا يسمى «الربيع العربي»؟ وما هو الدور الذي تلعبه المخابرات الأجنبية في تشكيل الميليشيات وتوجيهها والتحكّم فيها لخدمة أجندات ومصالح قوى لا ترى قوتها إلاّ في استمرار ضعف العرب واستمرار تفككهم وفي اضطهاد شعوبهم، بالديكتاتورية حيناً وباستخدام «الإخوان» حيناً آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"