«العدالة والتنمية».. نموذج للاستبداد

23:11 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تحول حزب العدالة والتنمية من حزب أرادت له الولايات المتحدة أن يكون نموذجاً للإسلام السياسي في العالم الإسلامي، إلى حزب عائلي، وفردي، لم يبق منه سوى اسم واحد هو رجب طيب أردوغان.

ومع السلوكات القاسية للعلمانيين، خلال حقبات محدودة، على امتداد تاريخهم ضد الحركة الإسلامية في تركيا، فإن الحاجة كانت ماسة لإرساء نظام سياسي في تركيا ينطلق من المبدأ العلماني لكنه يحترم المعتقدات الدينية، والتوجهات السياسية. ووصل النظام العلماني إلى طريق مسدود بحيث بات على النخب في المجتمع أن تبحث عن ثقب ضوء للخروج من النفق، ولا سيما في ما يتعلق بالمحجّبات اللواتي كنّ يتعرضن للإهانة على مدخل الجامعات، قبل أن يجبرن على خلع الحجاب.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية القاتلة في عام 2001 كانت الطريق ممهدة أمام فوز الحزب الذي جاء بشراكة كاملة بين رجب طيب أردوغان، وعبدالله جول، وفتح الله جولين، في انتخابات عام 2002.

كانت وعود الإصلاح في الداخل والانفتاح على الخارج في أساس مسار حزب العدالة والتنمية. وهكذا حظيت صورة حزب العدالة والتنمية بالتقدير، والإعجاب، ولا سيما داخل العالم العربي والإسلامي. لكن ما حدث لاحقاً سبّب صدمة كبيرة لصورة النموذج الجديد. فاصطدمت تركيا، بعد ما سمي ب«الربيع العربي»، بمعظم الدول التي رفعت معها شعار تصفير المشكلات. وانتهجت تركيا سياسات توسعية في سوريا، والعراق، وليبيا، وشرق المتوسط، والآن في القوقاز. 

أما في الداخل فإن الصورة كانت كارثية عندما بدأ أردوغان نفسه مرحلة تصفية شركائه خارج الحزب، ورفاقه داخله.

وكان الصدام الأول مع الداعية فتح الله جولين، ومن ثم اتهامه بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية العسكرية في عام 2016 فكان إخراج عشرات الآلاف من أتباعه، وغير أتباعه، من صفوف المؤسسات العسكرية، والأمنية، والقضائية، وفي مؤسسات التعليم والجامعات، وغير ذلك. ورغم مرور أربع سنوات على بدئها فإن هذه الحملة لم تتوقف حتى اليوم.

لكن المفارقة المروعة هي الحملة المنظمة التي شرع بها أردوغان للتفرد بزعامة الحزب، وتصفية رفاقه الذين حملوا الحزب على أكتافهم حين كان أردوغان ممنوعاً من ممارسة العمل السياسي. وكان أول ضحاياه رئيس الجمهورية بين 2007 و2014 عبدالله جول الذي منعه أردوغان من العودة إلى الحزب مع نهاية ولايته. ومن ثم كانت تصفية رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، في مايو/ ايار 2016 قبل شهرين من المحاولة الانقلابية فقط، لأن داود أوغلو كان يعارض تعديل النظام من برلماني إلى رئاسي، كما كان يريد أردوغان الذي عيّن بدلاً من داود أوغلو، بن علي يلديريم الذي كان ألعوبة بيد أردوغان. ومن ثم كان التعديل الدستوري عام 2017 وإقامة انتخابات بموجب النظام الرئاسي الجديد عام 2018. وفي عام 2019 كان الدور وصل إلى علي باباجان وزير الشؤون الاقتصادية السابق الذي استقال من الحزب وأسس حزباً جديداً هو حزب الديمقراطية والتقدم، كما لجأ احمد داود أوغلو إلى تأسيس حزب جديد هو حزب المستقبل.

أما آخر السلوك الانتقامي تجاه رفاق الدرب فكان إرغام بولنت أرينتش، هذا الأسبوع، على الاستقالة من الهيئة العليا للرئاسة التي شكّلها أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2018. وإذ نذكر بولنت أرينتش إنما أحد المدافع الثقيلة في الحزب الذي كان لا يزال يوفر غطاء لسياسات أردوغان. لكن حتى هذه المظلة الأخيرة أمعن أردوغان فيها تكسيراً، وتمزيقاً.

فمؤخراً هدد عبدالله تشاقجي، أحد زعماء المافيا في تركيا، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بالقتل. وأحرج هذا التهديد تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المعروف باسم «تحالف الجمهور». إذ ينتمي تشاقجي للخط الفكري لحزب الحركة القومية الذي دافع زعيمه دولت باهتشلي عن تشاقجي، وتهديداته. لكن المفاجأة أن قادة حزب العدالة والتنمية لم يستنكروا تهديدات تشاقجي. وكان أن خرج بولنت أرينتش معترضاً على موقف الحزب، ومستنكراً تهديد تشاقجي. واعتبر أردوغان موقف أرينتش إضعافاً لوحدة الحزب، مجبراً أرينتش على الاستقالة من هيئة الرئاسة، كما رُفعت الحراسة الخاصة بأرينتش ليبقى عارياً من أي حماية أمنية. وبذلك يسقط المدفع الأخير من الحرس القديم، وليتحول حزب العدالة والتنمية إلى أفضل نموذج يمكن أن يحتذى من أجل إقامة نظام الاستبداد، وعبادة الفرد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"