أمريكا ورهانات التغيير

23:07 مساء
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ينتظر كثيرون في داخل أمريكا والعالم، قيام إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بإجراء تغييرات مرتقبة في السياسات الداخلية والخارجية، بعدما أصبح فوزه بالرئاسة الأمريكية محسوماً، على الرغم من اعتراضات ترامب، ولكن هل يمكن الرهان على حدوث تغييرات جوهرية في هذه السياسات، وإلى أي مدى يمكن أن تذهب التوقعات في هذا المجال.

من حيث المبدأ، لا يمكن الحديث عن هذه التغييرات بمعزل عن الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات الأمريكية، وما تركته من أزمة مجتمعية في ظل انقسام عمودي وأفقي داخل المجتمع الأمريكي، بما في ذلك المؤسسات والنخب السياسية، ومدى تأثير «الدولة العميقة»، أو سماحها بإطلاق عملية تحديث للأنظمة والقوانين التي شاخت وتجاوزها الزمن، بما يمكّن الإدارة الجديدة من القيام بإصلاحات شاملة، ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة والعالم، بفعل جائحة كورونا وتداعياتها قبل الانتقال إلى الملفات الخارجية والعلاقات الدولية. 

هذا الواقع لن يكون تجاوزه سهلاً، بعدما تبين أنه أعمق بكثير من مجرد حالة استثنائية رافقت صعود ترامب إلى السلطة في 2016، بقدر ما كانت تعبيراً عن منظومة ثقافية وسياسية واقتصادية معقدة، متحيزة عملياً للعنصر الأبيض، وتستمد جذورها من مرحلة ما قبل الحرب الأهلية. وبالتالي، فإن الكتلة الكبيرة من الناخبين التي منحت أصواتها لترامب وفاقت 71 مليون ناخب، مقابل كتلة أكبر بعدة ملايين صوتت لبايدن، لم تنشأ من فراغ، وإذا كان من أصوات مُنحت لبايدن في ولايات كانت محسوبة تقليدياً على الجمهوريين، فإنها مثلت عقاباً لترامب بسبب بعض سياساته الداخلية الخاطئة وفشله في مواجهة جائحة كورونا، لكن ذلك لا يلغي حقيقة وجود قاعدة شعبية ضخمة متناقضة إلى حد كبير في رؤاها الداخلية والخارجية مع قاعدة أضخم قليلاً، وبالتالي، فإن هذا الواقع يحتم على أي إدارة جديدة أخذ حسابات الشارع في الحسبان. 

وربما يكون بايدن محقاً في التركيز على إعادة توحيد الأمريكيين، وإشراك جمهوريين في إدارته الجديدة لتخفيف حدة الاحتقان، ولكنها ستكون، بحسب المحللين، مهمة شاقة وغير مضمونة النتائج. 

صحيح أن هناك تبايناً صارخاً في نظرة كلتا الإدارتين الجمهورية والديمقراطية تجاه العديد من القضايا الدولية، خصوصاً عودة أمريكا لتولي قيادة الساحة الدولية، وتمتين العلاقات مع «الناتو» والحلفاء في أوروبا، والشرق الأوسط وغيرها، والعودة للاتفاقيات والمنظمات الدولية (اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية)، وما إلى ذلك مما يعد بديلاً للنهج «الترامبي»، والانكفاء الأمريكي تحت شعار «أمريكا أولاً»، إلا أن هذه العودة لن تكون مطلقة، بقدر ما ستكون مقيدة تحت وطأة الانقسام وضغط الشارع، ما لم تحصل معجزة تتمثل في مصالحة تاريخية بين مختلف شرائح الشعب الأمريكي، وهو ما يبدو مستبعداً في الوقت الراهن على الأقل. 

وبالتالي، فإن الرهان على تغييرات جوهرية في مجال السياسة الخارجية الأمريكية لا يبدو أمراً واقعياً، في ظل النهج الثابت تقريباً والمتساوق مع المصالح الأمريكية، من دون أن يمنع ذلك حدوث تغييرات طفيفة في كثير من الملفات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"