عادي

الكتب تبحث عن متاحف فـي العالـم العربـي

23:23 مساء
قراءة 6 دقائق
1

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم

تعد المتاحف بمختلف أشكالها بمثابة ذاكرة للشعوب وحلقة وصل بين الماضي والحاضر، وثمة العديد من العوامل التي تُبرز أهميتها وضرورة إنشائها؛ من بينها على سبيل المثال أنها تضم كماً هائلاً من المعلومات والبيانات التي تخدم مختلف مجالات الحياة، وهي أيضاً مرجع رئيسي وموثوق للأبحاث والدراسات المختلفة، وفي الوقت الذي نرى فيه أشكالاً متنوعة منها؛ كمتاحف الأعمال الفنية، متاحف التاريخ الطبيعي، متاحف المقتنيات النادرة وغيرها الكثير؛ إلا أنه من الملاحظ عدم وجود أي متحف للكتب في العالم العربي، وهو ما يطرح تساؤلاً حول الأسباب التي تعيق تأسيس هذا النوع من المتاحف، خاصة إذا تخيلنا تلك الآلاف من الطبعات النادرة من الكتب التي تخضع للتجارة وثقافة الاقتناء الفردي.

تباينت آراء عدد من الكتاب والمثقفين الإماراتيين والعرب في هذا الاستطلاع حول الأسباب التي تقف حائلاً أمام إنشاء مثل هذه المتاحف في الدول العربية.

يرى الكاتب والباحث محمد نور الدين، أن المتاحف في العالم العربي بشكل عام تحتاج إلى إعادة النظر، فالعالم العربي قليل الاهتمام بما كتبه في الماضي، ويمكن أن نقسّم هذه الدول إلى قسمين؛ القسم الأول يضم دولاً تولي اهتماماً بالمستقبل أكثر من الماضي، ومن بينها الدول المتقدمة في العالم العربي، والقسم الثاني يضم الدول العربية الفقيرة مادياً، والغنية من ناحية الثقافة والتراث، وهذه الأخيرة قد لا تملك البنية التحتية اللازمة لإنشاء المتاحف بمختلف أنواعها.

إن عدم وجود متاحف للكتب مرده أن الفكرة غير متبلورة حالياً في العالم العربي الذي يرى المتاحف في التراث الملموس فقط، وبالذات الأشياء التي تتمتع بقيمة مادية كبيرة؛ أما الكتب وما شابهها، فإن الاهتمام بها قليل؛ صحيح أن هناك بعض المؤلفين أو المقتنين الذين يهتمون بهذا الجانب، لكن هذا لا يعتبر متحفاً بقدر ما هو مجموعة من المقتنيات التي جمعها أولئك المهتمون؛ لأن الأفضل هو أن يتم تصنيف هذه المقتنيات، وإذا كانت هناك مقتنيات تمثل أهمية تاريخية أو جغرافية أو غيرها، فيجب أن توضع في متحف بشكل مناسب وتقدم للأجيال القادمة، ومن ضمن الأشياء القيمة التي يجب الاهتمام بها كقطع متحفية أيضاً؛ الأغاني والفيديو من أفلام ومسلسلات ومسرحيات وغيرها، فكل هذه الأعمال بحاجة إلى أرشفة أولاً؛ حيث إن لدينا ضعفاً في الأرشفة أيضاً، وبعد ذلك يمكن وضع الأعمال المميزة أو المحورية التي شكلت منعطفاً مهماً في تاريخ بلداننا أو في تاريخ البشرية.

 نبض الحياة

يشدد الكاتب والباحث خالد عيسى، على أن الكتب أهم بكثير من أن تكون مجرد شكليات أو تُحفاً فنية توضع فوق الرفوف للمشاهدة عن بعد كما هو الحال بالنسبة للوحات الفنية التي نقرأها عن بعد وتعطينا ملمحاً عاماً حول موضوعها، والأمر ذاته ينطبق على الأشكال الفنية وآثار الشعوب وغير ذلك؛ أما الكتب وأغلفتها وأشكالها وعناوينها؛ فلن تُظهر ما في بطونها، ولن تعطينا أي فكرة عن محتواها، وعليه أعتقد أن العمل يُفترض أن يتركز أولاً حول إنشاء مراكز للأرشيف تكون بمثابة أمكنة يمكن الاستفادة منها لإجراء الأبحاث، وتكون أيضاً مكتبة تاريخية فاعلة وحية لكي يستفيد منها الجميع، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة أن تكون هذه المراكز حديثة وتعتمد أسلوب النسخ الإلكتروني، وأن تكون منفتحة على العالم، فهذا سيكون أكثر فائدة من إنشاء متحف.

هذه المكتبة التي أسميها ب«الإنسانية» ستكون نابضة بالحياة، ويمكن أن يكون فيها شق آخر بمثابة مركز للباحثين، الأدباء، الكتّاب والمبدعين، وتزودهم بأمهات الكتب التي تخدم مجالاتهم، أبحاثهم ودراساتهم؛ مع التأكيد على ضرورة الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى، وأن نقرأ الآخر لكي نتشارك إنسانياً قبل كل شيء؛ بحيث نقدم المعرفة ونستسقيها في آنٍ معاً.

نموذج إماراتي

تبدأ الأكاديمية والناقدة د. مريم الهاشمي حديثها في هذا السياق بعرض نبذة تاريخية عن المتاحف، وتقول إن الرومان كانوا يستخدمون كلمة متحف للتعبير عن المكان المخصص للمناقشات الفلسفية، وتطورت المتاحف منذ منتصف القرن التاسع لتحظى بقيمة ثقافية ومعرفية على مر الزمن، فهي مرآة الشعوب والمجتمعات بمختلف أشكالها الفنية، العلمية، التاريخية، الجغرافية، متاحف الأطفال، متاحف الكتب وغيرها، فالمتاحف مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع؛ فضلاً عن ارتباطها بالمؤسسات العلمية والثقافية، وحين يثار موضوع متاحف الكتب، ويأتي التساؤل حول خلو الوطن العربي من متاحف للكتب؛ أشعر بالأسى بسبب عدم حصول «مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي» على حقه من التعريف للجمهور المثقف والمهتم؛ ليس فقط في دولة الإمارات، وإنما في الوطن العربي؛ لأنه مركز موجه لكل العرب، ومهتم بالتراث العربي والإنساني.

إن كانت كلمة «متحف» تعني حفظ وتوثيق وعرض وصيانة التراث الإنساني والفني ونشر المعرفة، فإن «مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث» أصبح أشمل وأكثر فائدة من المتاحف المتعارف عليها، وتعدى ما وُضع المتحف من أجله إلى مركز يتيح ويعرض ويحفظ ويجمع ويقتني المخطوطات والوثائق التاريخية والسياسية والدوريات القديمة والنادرة؛ بل والوثائق من الأرشيفات متعددة اللغات، وكذلك المصورات الرقمية والفيلمية والورقية، والمخطوطات العالمية؛ إلى جانب الكتب النادرة التي تم اقتناؤها من ورثة العلماء شرقاً وغرباً.

 فكرة نبيلة

إنشاء متحف للكتب فكرة نبيلة ومشروع وطني مهم بحسب الكاتبة والروائية فتحية النمر، التي ترى أنه ليس هناك ما يعيق تنفيذه وترجمته على أرض الواقع في ما لو وضحت الفكرة للمسؤولين الذين يسعدهم الاهتمام بمثل هذا العمل، ولدينا في الإمارات كم كبير من الكتّاب والشعراء والقاصين والباحثين الذين أنجزوا أعمالاً أدبية وتركوا آثاراً غنية يهمنا الاطلاع عليها ودراستها، ومثل هذه الآثار تعتبر تحفاً ومقتنيات جديرة بالاحتفاظ والاحتفاء بها، وربما مثل هذه المشاريع موجودة بالأساس، لكن تحت مسميات أخرى، وأتمنى أن تلقى الاهتمام اللازم الذي يليق بها في بلد مثل الإمارات، وفي ظل وجود قيادة تولي اهتماماً كبيراً بالثقافة والكتب.

في أذربيجان سمعت عن متحف من هذا النوع، وكنت في شوق لزيارته لولا ضيق الوقت، وأذكر أن المرشد السياحي أخبرنا بأن هذا المتحف يضم كتباً قديمة جداً تعود إلى قرون مضت، وتحكي تاريخ البلاد وارتباطها بالثقافة العربية، وأتمنى بالفعل وجود مثل هذا الجمال والقيمة في بلادنا لتكون إرثاً للأجيال القادمة.

خلاصة العقول

تشير الكاتبة والروائية أسماء الزرعوني إلى أن الكتاب هو الرفيق الذي لا نملّ منه، ورائحة الورق تأخذنا بين الحروف والكلمات، ومشاعر وأفكار وخلاصة عقول المفكرين والأدباء وغيرهم، ومن الغريب أن تغيب متاحف الكتب عن عالمنا العربي ونحن من بدأ بالكتابة، ولم أسمع عن متحف الكتب إلا في مدينة جميلة وهي «باكو» التي تقع في قلب أذربيجان، والتي يتوافد إليها عشاق الكتب من كل حدب وصوب، لكن لا شك في أن لدينا اهتماماً بالكتب ونشرها، وكذلك بجمعيات ودور النشر، وفي الشارقة تحديداً هناك اهتمام كبير من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بالمتاحف؛ فبات من الممكن مشاهدة المتاحف الحاضنة لتراثنا وطبيعتنا الخليجية والعربية في أنحاء إمارة الشارقة، لكن تغيب عنّا متاحف الكتب، والتي تعتبر مهمة بالنسبة للجميع.

إثارة هذا الموضوع جعلتني أرجع بذاكرتي إلى أيام الدراسة، ودفعتني للتساؤل: أين ذهبت كل تلك الكتب؟ لقد اشتقت إلى كتب المرحلة الابتدائية؛ تمنيت لو كان لدينا متحف للكتب، وأن تكون تلك الكتب موجودة في قلبه.

 تراجع القراءة

يقول الكاتب والروائي ناصر عراق إن علينا الاعتراف بأننا نجهل الكثير عن مصطلح «متاحف الكتب»؛ ذلك أن عالمنا العربي بأسره لا يملك متحفاً واحداً للكتاب، وهو أمر مؤسف بقدر ما هو محير، وأغلب الظن أن ثمة ثلاثة أسباب رئيسية وراء عدم إقدام أي دولة عربية على تأسيس متحف للكتاب، وهي: أولاً: انخفاض معدل القراءة بشكل عام، وثانياً: ارتفاع نسبة الأمية بشكل مخيف في عالمنا العربي؛ ثالثاً: انتشار الغلاء بشكل عام في معظم الدول العربية؛ ما جعل الأغلبية غير قادرة على توفير الضروريات الأساسية في الحياة من مأكل ومسكن وخلافه، وبكل تأكيد انعكس ذلك على تراجع مبيعات الكتاب والاهتمام به أياً كانت صورته.

أذكر جيداً أنني في زيارتي إلى العاصمة الأذربيجانية باكو قبل أربع سنوات توجهت لزيارة متحف الكتاب هناك، وكم كنت سعيداً بما رأيت؛ حيث شاهدت الكتب الكبرى وقد تم تدوينها في كتب صغيرة الحجم للغاية، فعلى سبيل المثال شاهدت الكتب السماوية المقدسة في أقل من حجم كف اليد، وفوجئت برائعة الحرب والسلام لتولستوي منسوخة في كتاب لا يزيد حجمه على 5×7 سنتيمترات، وهكذا ضم هذا المتحف العجيب مئات الكتب الشهيرة على مر التاريخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"