ترسيم الحدود .. لربّما بدأت المعركة

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

تتأرجح المفاوضات غير المباشرة بين لبنان، و«إسرائيل»، في المراوحة بين التوقّعات السلبيّة، وإشاعة خجولة لإيجابيّات مرسومة ربّما سلفاً، بمناخات التطبيع وتبادل الاتهامات، والشكوك، فتقوى الانقسامات اللبنانية المتفاقمة والغامضة. وهناك مسافات بين الربط «الإسرائيلي» للترسيمين البري والبحري مقابل تمسّك لبنان بحدوده البريّة المرسومة أساساً، لكنّ الألغام في الترسيم البحري.

وبعيداً من هذا، أقدّم معادلة وحيدة:

كلّ متر يزيد أو ينقص في مخاطر إعادة ترسيم بري يقابله خسائر أو حفظ حقوق هائلة في ثروات لبنان البحرية.

1- أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970 مبادئ تنظيم استثمار ثروات البحار والمحيطات الدولية، ملكاً مشتركاً للبشرية جمعاء، وليست سبباً للنزاعات والحروب. وبعد عقد تقريباً من المفاوضات المتقطعة، اتفق ممثلو 160 دولة على قانون للبحار أقرته الأمم المتحدة ووقعه، ممثلو 159 دولة فأصبح نافذاً. وراحت الدولة الموقعة، تبعاً للقانون، تمارس سيادتها بما يتجاوز مياهها الإقليمية المتعارف عليها ب12 ميلاً، إلى 200 ميل من خطوط الأساس التي يقاس منها عادةً عرض البحر الإقليمي، بما يعادل 370 كلم سمّيت في القاموس الدولي ب«المنطقة الاقتصادية الخالصة»، وتعني المنطقة البحرية التي تمارس عليها كلّ دولة حقوقها الخاصة.

لم توقّع «إسرائيل» على المعاهدة، بينما وقعها لبنان ليصبح بين الدول ال94 من أصل 142 دولة سواحلية انضمّت، وأعلنت مناطقها الاقتصادية الخالصة.

2- ليس الإطار المرسوم للتفاوض بين لبنان والموفدين الأمريكيين اتّفاقاً، بل تفاهمات لا علاقة لها بترسيم الحدود، وإنما بمناقشات حول تفاهم نيسان، أوالخط الأزرق الذي يدّعي الإسرائيلي بصفتها متغيرات، وحدوداً يبنى عليها، وعليه فإنّ قرار مجلس الأمن 1701 بعد حرب ال2006، لا يلغي منطوق القرارين 425 و426 الأمميين القاضيين بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الهدنة. إنّ الحدود البريّة للبنان مرسومة ومثبتة دوليّاً بالمحاضر، والخرائط، والإدارة.

ومنذ ال1967 وصولاً إلى حرب ال2006، مروراً باجتياح لبنان الأول، حتى الليطاني في 14 مارس/ آذار 1987 واجتياحها الثاني عام 1982، فانسحابها من لبنان (24 مايو/ أيار 2000)، حصلت تجاوزات على الحدود البريّة تنعكس على سير المفاوضات. وهناك استحالة لإعادة ضم الترسيمين البحري، والبري. لبنان نصب عينيه الترسيم البحري غير المرسّم حتى ولو طال التفاوض وتحوّلت الملفات إلى المراجع الدولية.

3- وقّع لبنان وقبرص اتّفاقاً حدّد المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين باعتماد خطّ الوسط الفاصل بينهما، ما أورث لبنان أخطاء ومسؤوليات جمّة، لأن خط الوسط الفاصل يعتمد بين الدول المتجاورة، أو المتقابلة في المناطق الإقليمية للبحار، ولا يمكن اعتماده في تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، كما حصل في اتفاق قبرص ولبنان المذكور، إذ وصلت الحدود الفاصلة بينهما إلى مسافة لا تتعدّى ال130 كلم بينما يحق للبنان قانوناً الاستفادة من مسافة 370 كلم وفق النقاط المحدّدة على الإحداثيات من 1 إلى 6 بعدما وقعها الطرفان.

4- نصّت المادة 5 من الاتفاق اللبناني القبرصي على إبرامه حسب الأصول الدستورية ليسري مفعوله عند تبادل الدولتين وثائق الإبرام، لكنّ هذا الاتفاق فقد قيمته لعدم تنفيذه والمصادقة عليه في مجلس النوّاب اللبناني. وأعتبر أن لغم الاتفاق نصّت عليه المادة 3:

«إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى، إذا ما تعلّق التحديد بإحداثيات النقطتين 1 (النقطة الأولى من الخط أي النقطة الثلاثية الأبعاد بين قبرص ولبنان وإسرائيل)، والنقطة 6. وأودع لبنان، بالتالي، لدى الأمم المتحدة إحداثيات منطقته الاقتصادية الخالصة من النقطة B1 في رأس الناقورة إلى النقطة 23.

5- وقّعت قبرص و«إسرائيل» حدودهما للمنطقة الاقتصادية الخالصة، (وتمّ إيداع نسخ لدى الأمم المتحدة ). واعتمد الاتفاق النقطة (1) أساساً للتحديد من دون مراعاة الموقف اللبناني الذي اعتمد النقطة 23، واعتبر النقطتين (1) و (6) الواردتين في الاتفاق مع قبرص نقطتين ثلاثيتين مؤقتتين. ثمّ أودعت إسرائيل لدى الأمم المتحدة لائحة الإحداثيات الجغرافية للجزء الشمالي من المياه الإقليمية، والمنطقة الاقتصادية الخالصة مدّعية ملكيتها مقتطعة مساحة نحو 860 كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان والذي تصل حصّته الحقيقية الخالصة إلى 23500 كلم مربع. هنا العقدة.

لربّما تختصر العقدة بكلمتين: المعركة ستبدأ الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"