عادي

روح إفريقيا في أدب ما بعد الفصل العنصري

23:26 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

يرجع تاريخ أدب جنوب إفريقيا الحديث إلى المستعمرين الأوائل للبلاد الذين داهمهم الإحساس بالاغتراب والعزلة عن إفريقيا التي خلبت ألبابهم وجذبتهم إلى وصف جمالها البدائي، وكانت رؤية هؤلاء الروائيين للمجتمع الجنوب إفريقي عدوانية، وهو ما يتضح في أدب المغامرات الذي كان يلعب فيه الإنسان الإفريقي دور الخادم، وتدور هذه الروايات حول ملكات ذات بشرة بيضاء.

يرى عمرو خيري أن النص المؤسس لأدب جنوب إفريقيا هو رواية «أوليف شرينر» 1883، وقد ولدت في إرسالية وفارقت أبويها في سن الثانية عشرة، وعملت مربية في منطقة ريفية، وهذه الخبرات استندت إليها روايتها التي تتناول مجموعة شخصيات تمثل أبعاد المجتمع الجنوب إفريقي في زمن كتابتها، ومع مطلع القرن العشرين بدأ أدب الكتّاب الأفارقة السود يظهر.

ومع سقوط الأبارتهايد عام 1990، ثارت تساؤلات الأدباء والكتاب بشأن ما سيكتبون بعد ما زالت الموضوعات الأساسية مثل الأبارتهايد والمشكلات العرقية. لعل الأبارتهايد انتهى، لكن لا تزال آثاره باقية. وكما أوضح كويتزي، فإن قضايا السلطة والقوة التي كانت تشغل البال في زمن النظام العنصري، لا تزال قائمة إلى حد بعيد، لكن من جوانب مختلفة، ولا يزال كتاب جنوب إفريقيا حائرين في ما خلّفه الأبارتهايد والصراع القائم للتخلص من آثاره، مع تحول جنوب إفريقيا إلى هوية وطنية جديدة.

ومن بين كتّاب الجيل الجديد يبرز اسم ماري واتسون المولودة في 31 مايو 1975، وقد فازت بجائزة كين للأدب الإفريقي، وهي جائزة تمنح للقصص القصيرة التي تكتب باللغة الإنجليزية، لكتاب أفارقة، وتعكس الروح الإفريقية. ويرعى هذه الجائزة كتاب من إفريقيا فازوا بجائزة نوبل وهم: وول سوينكا ونادين جورديمر وكويتزي، وحصلت واتسون على الجائزة عام 2006 عن قصتها «العذراء» وهي جزء من متتالية قصصية تحت عنوان «طحالب» صدرت عام 2004، وترجمها إلى العربية عمرو خيري.

تداخل

قصص ماري واتسون متداخلة الأحداث والشخصيات يتماهى فيها الخيالي بالواقعي، فقد ظلت الواقعية السحرية أهم بواعث شغفها بالكتابة، وتعالج في قصصها تفاصيل معقدة: الحياة الأسرية والسياسية، بحيث يكاد القارئ يصدق أنها لا تمتلك المساحة الكافية  مثل أغلبية الكتاب الأفارقة  للتصدي لقضية الأبارتهايد، لكن هذه القضية لا مناص منها في أدب جنوب إفريقيا، ودائماً ما يواجهها الكاتب، لكن في متابعة واتسون يستشفها القارئ من ثقل تاريخ بلادها وشدة وطأته عليها. 

وكما قالت هي نفسها: «إن التفرقة العنصرية تظهر في تجليات كل ما أكتب بشكل غير مباشر، لكنه مفعم باللامساواة الاقتصادية والاجتماعية»، وهي تعتقد أيضاً أن «الكتابة عن السياسة بطريقة مباشرة، قد يأتي معها تغريب أو إقصاء القارئ عن القضية».

وبالفعل سيجد القارئ في قصتها «العذراء» السياسة مغزولة في ثوب قصة عن أسرة معقدة العلاقات؛ أب شبه بعيد عن الأسرة، وأم ترمي بنفسها في حياة الأطفال الفقراء المحرومين، الذين تعلمهم حالة غريبة تثير اضطراب الجميع، وطفلة هي الراوية نفسها تحيرها تصرفات الخالة، وتخشاها وترتقي طريقاً وعراً لمحاولة فهمها.

وهنا تقول واتسون إنها اختارت الكتابة من وجهة نظر طفلة لكي تُثبت وجهة نظرها بأن من يكتبون بصوت الأطفال، يفعلون ذلك كعذر للكسل، ولذا فقد أرادت في المقام الأول السخرية من الكتاب الآخرين الذين اعتادوا على استخدام الأطفال كرواة للقصة، استسهالاً، وكعذر لعدم بحثهم عن مجالات وأفكار إبداعية.

من جانبه قال الكاتب الجنوب إفريقي أندريه برينك، الذي ساند واتسون كثيراً وهي طالبة، وتنبأ بعبقريتها ونجاحها، وكان مشرفاً على رسالتها للماجستير: «خيالها الخصب الرائع وقدرتها وتمكنها البارع من أسلوب السرد القصصي وقيادة زمام الحكي، وأصالتها، وأذنها الحساسة لأدق الفروق اللغوية، وموهبتها الفذة على الابتكار، كلها عوامل تؤهلها لأن تكون كاتبة غير عادية». وقد جاء في حيثيات فوزها بجائزة كين أن قصتها «كتبت كما ينبغي أن تكتب القصة القصيرة، فهي تترك فضاءات للتأمل في الحكاية، مما يمكن القارئ للعودة إليها مراراً ليشغلها بنفسه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"