من هو البطل؟

01:00 صباحا
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

إن رحلة التغيير والتطور في سمات أبطال العمل الأدبي تجعلنا راغبين في معرفة من أين يأتي الأدباء بأبطالهم، وما هي الرسالة التي يريدون إيصالها للمجتمع؟
كان البطل في الأعمال الأدبية نموذجاً يستحق الإعجاب وقدوة ملهمة، وكنا نعرف أن العمل الأدبي قد وصل إلى نهايته إن رسمت الأحداث موت البطل أو رحيله، حتى أصبح المنتجون والناشرون يطلبون من الكتاب تغيير النهايات التي يموت فيها البطل للمحافظة على مشاعر من يصدمون بموته!
ومع اختلاف الأحداث التاريخية والظروف الاجتماعية والتحولات الثقافية في كل زمن، اختلف البطل وتغيرت سماته لكي تستجيب لتلك التحولات والمتغيرات، فالبطل، لن يصدقه أحد ما لم يكن خلاصة مجتمعه وبيئته، ويجب أن يمتلك مؤهلات زمنه ليصبح بطلاً حقيقياً ونموذجاً يؤمن البعض بإمكانية الاقتداء به.
ولكننا لو استعدنا نماذج البطولة لدى العرب، فسنجدها قصصاً عن رجال مثل عنترة بن شداد، لم يستسلم لواقعه المرير ولا لوضعه الصعب، وكان إضافة إلى نبل أخلاقه فارساً وشاعراً صاحب معلقة وعاشقاً لامرأة يصعب قربها ليجسد بذلك حلم كل من عاش في زمن مثل زمنه، وليترك للناس في كل العصور رسم صورته التي تتماشى مع تلك البطولة، وهناك «أبو زيد الهلالي» الذي جعلته أخبار قدراته العلمية والفنية أسطورة خارقة في عيون أبناء مجتمعه، وترنيمة على لسان شعرائه.
وبدأت البطولة العربية في الروايات ترخي حبالها المشدودة من حول الفروسية والشجاعة والمروءة، ليصبح البطل من يواجه ضياعاً وفساداً كما في رواية «نهاية رجل شجاع» لحنّا مينة، فـ«مفيد الوحش» مراهق ظلمته الأقدار بدءاً من قسوة الأب، وجهل معلم المدرسة، والمختار الذي عاقبه وأفلح في تدميره؛ لأنه قطع ذيل حمار عبود. وبطل آخر هو شاب تعددت مغامراته النسائية ويعيش عشقاً محروماً في رواية «قصة حب مجوسية» لعبد الرحمن منيف، فعشق امرأة متزوجة، ورغم أنهما لم يلتقيا لكنه تخلى من أجلها عن كل النساء.
وفي المقابل كانت البطولة في أوروبا لـ «البؤساء» والمحرومين من أبسط الحقوق مثل «أوليفر تويست» و«أحدب نوتردام»، وهما لم يمتلكا من الصفات الجسدية أو القدرات الفكرية ما يجعلهما «نموذجاً» أو قدوة للآخرين، لكن مخيلة «تشارلز ديكنز» و«فيكتور هيجو» ابتكرت من هؤلاء بطولات تتناغم مع أوضاع مجتمعاتهم، فـ «كوازيمودو» عاشق الغجرية «أزميرالدا» ذات الحسن الفائق، ورغم تشوّهه الجسدي وحرمانه الاجتماعي، وقف أمام شرور «فرولو» سيده ومستعبده. وجسد الضابط الروسي «بتشورين» بطولة مختلفة في الأدب الروسي، في رواية «بطل من هذا الزمان» لـ «ميخائيل ليرمنتوف»، فهو رغم ذكائه وثقافته لم يعرف السعادة ولا الحب، وينوء تحت خيبات القمع والقسوة التي فرضها النظام القيصري حينذاك.
بدورها مهدت أمريكا لسيادة بطولة الخوارق والمسوخ التي يختلقها الكتاب، لتؤدي أدواراً وبطولات لم يعد الأبطال الواقعيون والحقيقيون يؤدونها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"