أوباما في القاهرة.. مذكرات ومراجعات

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

لم يكن الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، وهو يطل على المنطقة من القاهرة في يونيو (2009)، معنياً بمستقبل نظام الحكم في مصر بقدر ما كان يسعى لفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي.

في حدث استثنائي بتوقيته ورهاناته ألقى من على منصة جامعة القاهرة خطاباً موجهاً للعالم الإسلامي حاول فيه أن يرمم صورة بلاده المتصدعة، التي أفضت إليها سياسات وخيارات ألحقت أبلغ الضرر بحقوقه وقضاياه ووجوده الإنساني نفسه.

أراد أن يبدو مقنعاً بأن هناك صفحة جديدة في العلاقات العربية - الأمريكية تصحح الصور النمطية المتبادلة، تتفهم معاناة العرب والمسلمين.. لكن دون أن يلتزم بتكاليف سياسية جديدة، فلا أحد يقدم العطايا الاستراتيجية على طريقة «بابا نويل» في احتفالات أعياد الميلاد.

في مذكراته «أرض الميعاد»، توقف عند تلك الزيارة وسجل انطباعاته ومشاهداته وحواراته دون احترازات دبلوماسية كان يقتضيها منصبه.

في مذكراته أكد ما كان متداولاً في القاهرة من أنه طلب ألا يحضر الرئيس المصري خطابه في جامعة القاهرة.

كان ذلك تجاوزاً لأية اعتبارات سياسية أو بروتوكولية، لكن ما طلبه حدث!

أراد أن يتخفف من عبء صورة مبارك، وهو يتحدث عبر منصة جامعة القاهرة برمزيتها الثقافية والأدبية إلى العالم الإسلامي.

كانت تلك إشارة أولى إلى عمق أزمة بين رئاستين توشك أن تنفجر.

لم يكن معجباً بأي قدر بمبارك، الذي نالت السنون من صحته وهمته وقدرته على إدارة الدولة.

كانت تلك إشارة ثانية إلى الأزمة المستحكمة، التي سوف تأخذ مداها بعد شهور قليلة في أحداث يناير العاصفة عام (2011).

حَادث مبارك في سوء إدارة الاقتصاد وملف الحريات العامة وحقوق الإنسان داعياً إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين وتخفيف القيود عن الصحافة، ولم يكن لدى الرئيس المصري الأسبق ما يقوله غير أن «المصريين يؤيدونني»

وكانت تلك إشارة ثالثة للمدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقة بين الرئيسين في مستقبل الأيام.

بعد كل ما حدث من تطورات وحوادث نحن بحاجة إلى مراجعة لما جرى في جامعة القاهرة والرهانات التي صاحبت زيارة أوباما.

كان هوساً في غير محله، كأنه «صلاح الدين الأيوبي» جاء حاملاً رايات النصر إلى المنطقة المنكوبة بأزماتها وحروبها.

لم يراجع أحد هنا حتى الآن ما حدث في ذلك اليوم من رهانات خاطئة، ثبت تماماً أنها تجاوزت حقائق الأشياء والمصالح والاستراتيجيات.

أوباما نفسه استغرب في مذكراته بعض ما رآه في قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة العريقة، فما أن صعد إلى المنصة وألقى التحية الإسلامية «السلام عليكم» حتى هلل الجمهور بحماس بالغ، واستمر يصفق ويهتف طوال خطابه.

في ذلك الخطاب الموجه إلى العالم الإسلامي وصف أوباما العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بأنها «غير قابلة للكسر».

كانت تلك العبارة الصريحة تعبيراً عن حقائق السياسة الأمريكية، أراد بها أوباما أن يضع حدوداً استراتيجية لما يمكن أن يتبعه من سياسات في تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، وأن أي رهان على أي صدام محتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهده يتماهى مع الوهم، أو هو الوهم ذاته. 

عند هبوب العواصف في تونس نهايات (2010) سأل أوباما مبارك عن احتمالات امتداد المظاهرات الغاضبة من تونس إلى مصر، فكانت إجابته: «مصر ليست تونس».

حين وصلت إلى مصر رياح التغيير دعاه إلى مغادرة منصبه بذريعة لافتة تستحق التوقف عندها: «إذا كنت تريد انتخاب حكومة لا يهيمن عليها الإخوان فقد حان وقت التنحي».

يظهر هنا قدر كبير من الاضطراب في رؤية أوباما عند لحظة مفصلية.

فهو من ناحية أبدى حرصاً زائداً على وجود ممثلين ل«الإخوان المسلمين» أثناء إلقاء خطابه في جامعة القاهرة، إدارته نظمت حوارات غير معلنة مع الجماعة للوصول إلى تفاهمات استراتيجية تضمن المصالح الأمريكية وتتبع خطاها في الإقليم، وساعد بالضغوط على وصولها إلى السلطة.

وهو من ناحية أخرى يعترف بأنه قد حذر مبارك من وصول «الإخوان» إلى السلطة.

مراجعة الأسباب والظروف والنظر فيما ورائها من حسابات واستراتيجيات ضرورية لفهم ما جرى على نحو صحيح بعيداً عن نظريات المؤامرة.

بحقائق المصالح والاستراتيجيات تدخلت الولايات المتحدة لدفع مبارك للتنحي، كما أكد أوباما، لكنه لم يصنع الثورة بقدر ما ساعد على إجهاض أهدافها في التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"