د. ناجي صادق شراب
كل النظم السياسية على اختلافها تلتقي حول هدف مشترك هو الحفاظ على فاعلية المؤسسات ومكوناتها، حتى تكون قادرة على التكيف والاستجابة للتغيرات السريعة التي تشهدها بيئة الأنظمة الداخلية والخارجية.
ووظائف النظام السياسي على المستوى المجتمعي كالتنشئة والمشاركة وتجميع وتحديد المصالح، والمأسسة نقيض للشخصنة والفردانية، والمشاركة السياسية وتوسيع قنوات هذه المشاركة والمساهمة في صنع القرار والسياسة العامة، فضلاً عن تفعيل القدرة الاستخراجية المتمثلة في تنويع مصادر الدخل ورفع مستوى الرفاه لدى المواطن.
وبالتطبيق على دولة الإمارات العربية المتحدة وبعد 49 عاماً على قيام اتحادها ، سنجد أن أهم أهداف الدولة العمل على رفع فاعلية وقدرات المؤسسات، وذلك نظراً لأن بيئة الإمارات تختلف عن غيرها، حيث يعيش فيها أكثر من مئتي جنسية. ولو طبقنا الإطار النظري على فاعلية المؤسسات، سنجد كيف نجحت القيادة في الارتقاء بفاعليتها، وقدرتها على التكيف والاستجابة لكافة التحديات والمتطلبات التي تفرضها المستجدات والمتغيرات المتسارعة.
فدولة الإمارات تأتي في مقدمة سلم القوى العالمية في الدخل القومي والقدرة المالية، ولم تتوقف هذه القدرة على الاعتماد على النفط؛ بل عملت القيادة على توفير مصادر جديدة للدخل كتطوير قطاع السياحة بكل أشكاله، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وتنويع مجالات الاستثمار الداخلي والخارجي، ما أدى إلى زيادة دخل الفرد وزيادة المخصصات لقطاعات التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي والبناء الإسكاني، ولقد تعددت المبادرات التي تقدمها الدولة في مجال رفع مستوى المعيشة، وبرز ذلك في ارتفاع درجة المواطن على سلم السعادة العالمي.
يحمي هذه الإنجازات القدرة التنظيمية للمؤسسات والتي تتمثل في اكتمال منظومة القيم وحماية حقوق الأفراد، وأبرز ما في هذه القدرة التنظيمية منظومة القوانين التي تؤصل للتسامح والحوار والأخوّة الإنسانية.
ولعل ما يميز مؤسسات الإمارات قدرتها في الحفاظ على مكوناتها الرمزية التي جمعت بين الأصالة والحداثة والحفاظ على الرموز والتقاليد التاريخية والقبلية الأصيلة.
ولعل من أبرز قدراتها داخلياً وخارجياً استطاعتها التكيف مع عالم تحكمه تغيرات تفوق قدرات أي دولة بما فيها الدول الكبرى، وتظهر هذه القدرة من خلال الاستجابية في التعامل مع وباء كورونا وكيف وفرت القيادة البنية التحتية الصحية المتقدمة القادرة على التكيف واحتواء مخاطره الكبيرة، ولم تتوقف هذه الاستجابة داخلياً، بل امتدت خارجياً بتقديم المساعدات للعديد من الدول بما فيها المتقدمة مثل إيطاليا وبريطانيا وغيرها.
استطاعت الإمارات في عمرها الزمني منذ تأسيس الاتحاد تحقيق المشاركة السياسية، وتجسد ذلك في عملية التمكين السياسي الكاملة للرجل والمرأة وفي انتخابات المجلس الوطني، وما تمثله مجالس الحكام من صورة عالية للديمقراطية المباشرة، وهي صورة لا تعرفها النظم السياسية الأخرى.
كما نجحت في تحقيق الثقافة السياسية ومنظومة القيم ودورها في رفع الوعي السياسي وخلق المواطن المساير لمنظومة القيم الإنسانية والعالمية وأبرزها التسامح ووثيقة الأخوّة الإنسانية ومقاربة السلام.
