صنّــاع السـياســة ومشاعر السخط الشعبي

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين
3

دارون إيسموجلو *

بعد 4 سنوات مربكة، يريد الأمريكيون تصديق أن بلادهم على وشك دخول مرحلة جديدة. فقد خاض بايدن معركة شرسة مع ترامب في انتخابات متنازع عليها بشدة تضاعف دورها كاختبار ضغط لأدوات الديمقراطية .

مع ذلك، لا ينبغي أن يبعث موسم الانتخابات المثير للجدل هذا شعوراً بالتفاؤل لدى أحد منا بشأن المستقبل. فقد نشأ التحول الشعبوي لرئاسة ترامب من الانقسامات العميقة في السياسة، والمجتمع، الأمريكيين.

وكانت الولايات المتحدة ناضجة لقيام حركة شعبوية بحلول عام 2016، ولا تزال كذلك حتى اليوم. وقد تعمقت واتسعت آفاق التفاوت الطبقي في العقود الأربعة الماضية بين المتعلمين تعليماً عالياً، وغيرهم من شرائح السكان، وبين رأس المال، والعمالة. ونتيجة لذلك، ظل متوسط ​​الأجور راكداً لمدة 40 عاماً تقريباً، وانخفضت الأرباح الحقيقية لكثير من المجموعات انخفاضاً حاداً.

لقد ثبت أن تحديد الأسباب الجذرية لهذه التفاوتات أمر صعب بشكل مدهش. وتزامن ظهور التقنيات الجديدة «المنحازة للمهارات»، مثل أجهزة الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي، مع فترة من النمو المنخفض بشكل فريد في الإنتاجية، ولم يشرح المحللون بشكل مقنع سبب استفادة أصحاب رأس المال، وليس العمال، من هذه التقنيات.

وبغضّ النظر عن أصل عدم المساواة الاقتصادية، فقد أصبح مصدراً للتقلبات الثقافية، والسياسية، في الولايات المتحدة. وأولئك الذين فشلوا في الاستفادة من النمو الاقتصادي أصيبوا بخيبة أمل من النظام السياسي. ففي المناطق التي أدت فيها الواردات من الصين، والأتمتة، إلى فقدان الوظائف الأمريكية، أدار الناخبون ظهورهم للسياسيين المعتدلين، وكانوا يميلون إلى التصويت لمن هم أكثر تطرفاً.

ويمكن أن تبدأ السياسة الجيدة بمعالجة التفاوت في المداخيل. فإجراءات مثل الحد الأدنى للأجور على المستوى الفيدرالي، ونظام إعادة توزيع الضرائب، وشبكة أمان اجتماعي أفضل، يمكن أن تساعد في خلق مجتمع أكثر عدلاً. 

وقد ترافق الاستياء الاقتصادي مع انعدام الثقة بجميع أنواع النخب. ويعبّر الكثير من الرأي العام الأمريكي، والعديد من السياسيين الآن، عن عداء متزايد تجاه رسم السياسة على أساس الخبرة. فقد انهارت الثقة بالمؤسسات الأمريكية، بما في ذلك السلطة القضائية، والكونجرس، والاحتياطي الفيدرالي، ومختلف وكالات إنفاذ القانون. ولا يمكن تحميل أي من ترامب، أو الاستقطاب الحزبي الأخير، مسؤولية هذا التحول المناهض للتكنوقراط. إن الرفض شبه الكامل للحقائق العلمية، ووضع السياسات المختصة والموضوعية بين الكثيرين من الناخبين، والحزب الجمهوري، أمور سابقة على فترة حكم ترامب، وهي شبيهة بما يجري في بلدان مثل البرازيل، والفلبين، وتركيا. ومن دون فهم عميق لجذور هذه الشكوك، لن يكون لدى صانعي السياسة الأمريكيين سوى أمل ضئيل في إقناع الملايين من الناس بأن السياسات الأفضل، التي صممها الخبراء، ستحسّن حياتهم بشكل هائل، وتلغي عقوداً من التدهور. ولا يمكن لصناع السياسة أن يستمروا في تجاهل مشاعر السخط الشعبي التي غذّت صعود ترامب، والحركات الشعبوية.

* أستاذ في معهد ميتشجان ومؤلف كتاب "الممر الضيق"- بروفيسور الاقتصاد في "إم آي تي"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"