49 عاماً من «اللامستحيل»

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

49 عاماً في أعمار البشر تمثل مرحلة النضج والوعي والتروي والحكمة واتخاذ القرارات السليمة؛ أما في أعمار الدول فالبعض يعتبرها امتداداً لمرحلة الميلاد، بينما يعتبرها البعض الآخر بداية مرحلة الشباب والعنفوان والانطلاق، ولأن دولة الإمارات حالة خاصة في كل شيء فإن بلوغها التاسعة والأربعين من عمرها، حيث تحتفل بيومها الوطني الأربعاء المقبل، يأتي وهي جامعة بين ما يمثله هذا العمر في حياة البشر وما يمثله في حياة الدول.

بلغت الإمارات النضج باكراً ونهجت سبيل الحكمة منذ مولدها، حتى إن حكمة قائدها ومؤسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، لمسها القاصي والداني وأكدتها مواقفه وأفعاله قبل أقواله، فكان الإجماع على أنه حكيم العرب، أما اتخاذ القرارات السليمة القائمة على أسس علمية وبحثية فقد كان سبيل الإمارات في الماضي والحاضر إلى المكانة التي تبوّأتها على الخريطة الإقليمية والعالمية، والتي جعلتها دولة فاعلة في محيطها، لتكون من أمهر السباحين في بحر السياسة الدولية، تلعب مع الشرق والغرب في آن واحد من دون أن تتبع هذا أو تعادي ذاك. 

وكدولة في التاسعة والأربعين، فإنها فتيّة في سياساتها ونهجها، وتحرص أن تستغل مرحلة الشباب التي تعيشها في البناء لا الهدم، ومدّ يد المساعدة لكل محتاج حول العالم لا الاستعراض الأجوف وما يتبعه من نيل من الأشقاء لصالح المتربصين لكل ما هو عربي، وهي تؤمن بأن «القويّ هو من يملك نفسه عند الغضب»، وهو من «يعفو عند المقدرة» كما علمنا ديننا الحنيف وأوصانا رسولنا الكريم، ولذا تتصرف مع الجوار والأشقاء والأصدقاء من هذا المنطلق وتفتح ذراعيها لكل من يطرق بابها وتجمع مختلف الديانات والأعراق والألوان على أرضها. 

العام التاسع والأربعون في عمر الإمارات، كان عاماً ثقيلاً على العالم كله، وفيه تمكن فيروس كورونا اللعين من الكوكب وبسط نفوذه على جهاته الأربع وتألمت صحياً واقتصادياً خلاله الكثير من دول العالم الأول قبل غيرها، ولكنه بالنسبة للإمارات فقد استطاعت أن تتحدى كعادتها وتحول ألم كورونا إلى أمل، وحولته من عام الإحباط واليأس إلى عام الإنجاز والتحقق، ففيه أطلقت مسبار الأمل الذي حمل معه الأمل العربي إلى الفضاء، وخلاله أتم أبناؤها إنجاز وصناعة المسبار بسواعدهم وعقولهم وأفكارهم بعد أن تشربوا علوم الفضاء واكتسبوا الخبرة من أصحاب التجارب، وها هو المسبار يواصل شق طريقه في الفضاء الكوني إلى كوكب المريخ ليصل إليه في فبراير المقبل وخلال الربع الأول من عام الإمارات الخمسين، ليرصد مناخ وتقلبات طقس الكوكب الأحمر ويقدمها هدية علمية من الإمارات إلى العالم في عيدها الذهبي. 

وخلال هذا العام، تحولت الإمارات إلى دولة نووية سلمية، بعد أن افتتحت محطة براكة النووية، ومن خلالها أكدت أنها دولة سلم وعلم وأمل، توظف ما أنجزه العقل البشري وما ابتدعه الإنسان لصالح تطوير حياة الناس ورفاهيتهم لا بغرض قتلهم وإفنائهم. 

وفِي وقت انشغلت الدول الكبرى بذاتها وآلامها الكورونية، انشغلت الإمارات بأن تقدم للإنسانية ما يخفف شيئاً من الوجع وأطلقت مبادرة المدرسة الرقمية لتتيح لمن حرمتهم ظروف الوباء وصراعات أهل الأرض من التعليم النظامي، فرصة التعلم عن بعد. 

هذه ليست سوى نماذج من إنجازات الإمارات في عامها التاسع والأربعين، عام الحظر والصمت والوجع الذي لونته الدولة بألوان الحياة والأمل، وجعلت منه عام التحدي والإنجاز وفتح الأبواب للوافدين إليها وتحقيق بعض آمالهم باستحداث الإقامة الذهبية للمتفوقين والمبدعين والعلماء والأطباء وغيرهم من الفئات المتميزة، أما إنجاز الأعوام التسعة والأربعين كاملة فتمثلها صورة الإمارات اليوم والتي يشهد العالم لتفاصيلها المختلفة. 

إن دولة ترفع شعار «المستحيل ليس في قاموسنا، وليس جزءاً من تفكيرنا، ولن يكون جزءاً من مستقبلنا»، كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، والذي يكرر في المناسبات المختلفة ما يعبر عن يقينه بأن لا مستحيل في الحياة، لابد لهذه الدولة أن تحقق الكثير وتنجز ما يظل مصدر فخر واعتزاز لأبنائها وأشقائها المخلصين وأصدقائها المقدرين. 

خصصت الإمارات عامها التاسع والأربعين لوضع استراتيجية الاحتفال بالعام الخمسين ورفعت خلاله شعار «عام الاستعداد للخمسين» تنموياً وإنجازاً وتنفيذاً لأحلام كانت مؤجلة، وهو العام الذي سيشارك في الاحتفال فيه باليوبيل الذهبي للإمارات مواطنوها والمقيمون على أرضها ليكون عام فرح للجميع. 

كل عام والإمارات فتيّة وناضجة وواعية ومنجزة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"