عادي

باحثون يقرأون تاريخ الإمارات في يومها الوطني

20:59 مساء
قراءة 6 دقائق
2
1

دبي - «الخليج»
 احتفلت ندوة الثقافة والعلوم في دبي باليوم الوطني الـ49 بجلسة حوارية عنوانها: «الإمارات حديث التاريخ والذاكرة» شارك فيها د. يوسف الحسن،
 ود.فاطمة الصايغ، والباحث عبدالله عبدالرحمن، والكاتب سعيد حمدان، وأدار النقاش د.رفيعة غباش بحضور عائشة سلطان رئيس اللجنة الثقافية، 
ود.صلاح القاسم المدير الإداري بالندوة، ود.مريم الهاشمي، ود.بدرية الشامسي، ود.حمد بن صراي، وزينة الشامي، وأحمد علي إلى جانب لفيف من المهتمين.
رحبت عائشة سلطان بضيوف الندوة، مؤكدة جهودهم المضيئة في الكتابة حول تاريخ الإمارات، وأهمية الموضوع في إلقاء الضوء على أهم ما كُتب في هذا المجال.
وأكدت د.رفيعة غباش أن موضوع الندوة مختلف؛ لأن المتعارف عليه في احتفالات اليوم الوطني التركيز على المستقبل، إلا أن البعد التاريخي وتوثيقه عبر الذاكرة والمؤلفات أكثر أهمية وإمتاعاً، وأوضحت أنها تواصلت مع محمد المر؛ للاطلاع على الكتب الصادرة عن تاريخ الإمارات، وأطلعها أن مكتبة محمد بن راشد تضم حتى الآن نحو 30 ألف كتاب عن تاريخ الإمارات، ولا تزال المكتبة تقتني المزيد.
وذكرت د.فاطمة الصايغ أن التاريخ كما قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «هو الأرضية الصلبة التي نقف عليها، من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل»؛ لذلك منذ بداية الاتحاد كان التركيز على التاريخ، فمنه نستقي الهوية والقيم ومبادئ الاتحاد.
وأشارت إلى تجربتها في توثيق التاريخ الإماراتي؛ حيث كانت تستقي مادته من كتابات غربية أو بريطانية بحتة، مؤكدة أن هناك شكوى من شحّ الوثائق المتعلقة بتاريخ الإمارات، إلا أن الموجود منها يتميز بالتنوع الكبير، وأكدت أن الوثائق البريطانية ركزت على الجوانب الإدارية والسياسية، وهناك وثائق الإرسالية الأمريكية التي سجلت تاريخ الإمارات الاجتماعي والثقافي، وهي متوفرة بكثافة في هذه الوثائق؛ نتيجة لوجود المبشرين الأمريكيين في المنطقة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1973.
ونوهت الصايغ بالوثائق والمخطوطات العُمانية والسعودية، التي وفرت جانباً من النتاج الثقافي، وأكدت أن الوثائق المحلية كوثائق العائلات ( السركال والظاهري) من الأهمية بمكان، ويجب الاطلاع عليها والاستفادة منها، فالكثير من المؤرخين ينظرون إلى الجانب السياسي في المنطقة، ولكن التاريخ الاقتصادي غني جداً، ويشمل: الغوص والبترول، ونحن بحاجة إلى مزيد من البحث وإعادة التفكير بزوايا وآراء مختلفة تضيف لمعرفتنا بتاريخ المنطقة.
وتحدثت الصايغ عن وظيفة المؤرخ في تحليل وتدقيق الوثيقة، ورأت أن التاريخ الاجتماعي للمنطقة ما يزال غائباً بحسب الوثائق البريطانية بحكم أن المسؤولين البريطانيين كانوا رجالاً، ولم يستطيعوا اقتحام الحياة الاجتماعية لأبناء المنطقة. ولكنهم صوروا بعض اللقطات بكاميرات بدائية بالصوت والصورة، وكل الدراسات التي وثقت لتاريخ الإمارات شابها التكرار، وما نريده هو التحليل الفلسفي لقيام الدولة، ودراسة تطورها بنظرة تحليلية معمقة.
وختمت الصايغ بقولها: «إن الإمارات على مشارف خمسين عاماً من عمر الاتحاد تعد لاعباً إقليمياً وسياسياً على الساحة العالمية».
التاريخ الشفاهي للإمارات
وعن التاريخ الشفاهي للإمارات، ذكر عبدالله عبد الرحمن أنه لا غنى عن المصادر المتاحة في هذا الجانب، ومقابلة الرواة، ونوّه بكتابه «الإمارات في ذاكرة أبنائها» وهو يوثق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وقد دعمته معظم الجهات الثقافية في الدولة، وقدرت الجهد المبذول فيه، وقد نفدت نسخه؛ ما يدل على حاجة الباحث والقارئ إلى هذه الكتابات التي تقدم صورة عن ماضي الحياة في الإمارات. 
وتحدث عبدالرحمن عن تجربته في نشر مقالات بعنوان: «موسوعة الوطن» التي ركزت على ذاكرة المكان في الدولة، والتي ستنشر تباعاً في سلسلة.
وأكد أن جهود البحث الميداني تعد الأكثر غزارة في المواد المكتوبة عن تاريخ الإمارات فهي تطوعية، وتمثل إضافة كبيرة للباحثين وزاخرة بالتراث الشعبي، وتحدث عن لجنة التراث والتاريخ، التي كان مقرراً أن تضم نخبة من الشخصيات المتخصصة، مؤكداً ضرورة استثمار المزيد من الجهود في هذا الجانب، خاصة جهود الأرشيف الوطني.
بدورها، نوهت د. رفيعة غباش بلجان التراث التي كانت مهمتها جمع التراث في بداية تأسيس الاتحاد، وأن هناك الكثير من أعضائها سلموا ما لديهم من وثائق إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه؛ حرصاً على تاريخ الدولة ومنها وثائق راشد بن أحمد، وتساءلت عن مصير هذه الوثائق وكيف يمكن الاستفادة منها إن وجدت.
الهوية الوطنية
وذكر د. يوسف الحسن أن مكونات الذاكرة المشتركة في أي مجتمع، هو إدراك تاريخ الوطن، وهذا التاريخ المشترك هو أهم مكونات الهوية الوطنية، وأكد أنه عاش السنوات الثلاث التي سبقت تاريخ الاتحاد؛ ولذلك لا يكفي الاطلاع على وثيقة من دون امتلاك منهجية علمية في قراءتها وفحصها خاصة أن معظم الوثائق على الرغم من أنها بجهود فردية مقدرة، ولكن كتبها رحالة وضباط بحرية ووكلاء تجارة ومن عمل مع الإمبراطورية البريطانية، فضلاً عن عرب وأجانب أعادوا قراءة هذه الوثائق؛ لكنها فردية.
وأكد أن هناك مؤرخاً حقيقياً وهو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي تفرغ منذ عام 1979 معلناً انتهاء ثورة الكونكريت وبدء ثورة الثقافة، وكانت الخطوة الأولى نحو إعادة كتابة تاريخ المنطقة، برسالة الدكتوراه الأولى حول (أسطورة القرصنة العربية في منطقة الخليج). فتاريخ المنطقة بحسب الحسن يحتاج إلى تنقية، فهناك الكثير من التزييف في بعض الوثائق وقراءتنا لها، فذاكرة هذا الجيل في حاجة إلى مادة موثقة ومراجعة ومدققة.
واعتبر الحسن، صاحب السمو حاكم الشارقة مؤرخاً دقيقاً، يمتلك حساً وطنياً وغيرة على بلده وأمته، ينقب ويحقق ويطوف عواصم ومتاحف العالم ومراكزه؛ لإعادة قراءة الوثائق وكتابتها، وقد نشر عشرات الكتب في هذا الجانب كما تحدث عن تجربة الراهن في عمر الإمارات واختلافها عن الماضي، فنحن اليوم نشهد إنجازات احتلت مراتب متقدمة تمثل دولة الرفاهية والرعاية، وهذه التحولات في تجربة الخمسين عاماً تحتاج إلى أن نسجلها ونحللها، كما يجب أن نبحث في ركائز الثقافة التي نريدها لجيل المستقبل في ظل توسع المدارس والجامعات الخاصة وتعدد المناهج، وهي أسئلة مشروعة في ظل التحولات الاجتماعية، كما يجب البحث في مفهوم التسامح بمعناه العصري والمختلف، وقبول الحوار والتعدد، وهذا لا يتم لا بالتعارف والتعاون كما طرح صاحب السمو حاكم الشارقة، كما أشار إلى أهمية دراسة الروايات والكتابات الأولى، التي تعبر عن الواقع الاجتماعي للإمارات في الفترات الماضية.
النتاج الفكري
بدوره، تحدث سعيد حمدان الطنيجي عن أهمية وجود باحث حقيقي يكتب في التاريخ، وتطرق إلى غياب عدد من الكتّاب الكبار هذا العام: د. حسين غباش ومحمد القرق ود. صلاح قاسم وغيرهم، كما تحدث ببليوجرافيا التوثيق التي بدأت في تسعينات القرن الماضي، وأبرز الإصدارات ومنها: 3 كتب عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، و4 كتب عن المجمع الثقافي تعنى بالنتاج الفكري الإماراتي، غطت هذه الكتب الرصد الببليوجرافي منذ قيام الدولة وحتى نهاية التسعينات. وتم رصد نحو 3000 كتاب، ثم توقفت أعمال الرصد منذ ذلك الحين. وهناك عدد من الكتب المنشورة حتى عام 2010 وتجاوزت نحو 10 آلاف كتاب؛ حيث يقدر عدد الكتب التي صدرت حتى الآن بأكثر من 20 ألف كتاب.
وأضاف حمدان مع مرور عمر الدولة؛ تغيرت معطيات صنّاع الكتاب، فهناك من استمر، وهناك من انسحب، وبرزت جهود المجمع الثقافي والأرشيف الوطني ومؤسسة العويس وندوة الثقافة والعلوم واتحاد الكتّاب إلى جانب جريدتي «الخليج» و«البيان»، و«دار المعرفة» و«نادي تراث الإمارات» و«هيئة الشارقة للكتاب» و«معهد الشارقة للتراث» وكذلك «مؤسسة محمد بن راشد»، وهيئة البيئة في أبوظبي وغيرها الكثير.
وتساءلت عائشة سلطان إلى أي درجة يمكن اعتبار المقالات الصحفية والمقابلات التي أجراها الباحث عبدالله عبدالرحمن مرجعاً تاريخياً للباحثين، والبناء على ما جاء فيها، وهل يمكن الاتكاء عليها إذا أردنا صناعة منتج ثقافي مرئي أو مسموع باعتبار أن ما سجل فيها من ذاكرة شخصية.
واتفق عبدالله عبدالرحمن مع ما ذكرته عائشة من أن هذه الوثائق الشفاهية قد يشوبها بعض الخلل إلا أن تكرار الرواية من أكثر من شخص يؤكد الحدث أو الواقعة.
أما د. مريم الهاشمي فأوضحت أنه كثيراً ما يتم توجيه أصابع الاتهام للباحث الإماراتي، موضحة أن هناك الكثير من العراقيل والتحديات التي تقابل الباحث وهو يوازن بين عمله سواء الأكاديمي أو البحثي الميداني واقترحت وجود نوع من الدعم العلمي للباحثين الإماراتيين.
توصيات
واختتمت الجلسة بتأكيد مجموعة من التوصيات منها: أهمية وجود رؤية نقدية في الوثائق، وتكوين فريق بحثي يضطلع بهذه الجوانب؛ لخلق حوار بين المثقف والباحث، وإعادة كتابة التاريخ الوطني في ظل مشروع وطني متكامل، وتشكيل لجنة وطنية من أبناء الإمارات؛ لكتابة مناهج التاريخ في مختلف المراحل الدراسية، والبعد عن الحساسية المفرطة عند كتابة التاريخ حتى لا يخضع للمغالطات، وتكوين منصة إلكترونية تضم كل النتاج التاريخي، مصنفة سياسياً، تاريخياً، اجتماعياً، ثقافياً؛ لتكون مرجعاً للباحث، وأن سياق البحث التاريخي والتراثي، يفرض تقديم الجديد والابتعاد عن التقليد والتكرار في المواضيع والأشكال. ولأن الهدف الأساسي هو صبغ الشخصية والهوية بقيمها الأصيلة المتجددة دائماً والمحافظة على الجوهر، فإن عمل الباحثين في مجال التراث الشعبي توثيقاً وجمعاً وتقديماً؛ عملية تتسم بالتراكم والبناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"