ثلاثية القطبية

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

مع اقتراب نهاية كل عام، تصدر مراكز البحث ومؤسسات الاستشارات والدراسات تقييمها للعام وتوقعاتها للسنة القادمة. وينسحب ذلك أيضاً على المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية والإقليمية، ومن بينها مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الرئيسية التي تستند إلى ذلك التقييم والتوقع في رسم صورة لرفع أو خفض تصنيف الدول والمناطق.

في هذا السياق، توقع تقرير لمؤسسة التصنيف الائتماني موديز، أن تعمق أزمة وباء فيروس كورونا «كوفيد- 19» المنافسة بين أقطاب ثلاثة رئيسية في الاقتصاد العالمي وتوجه العالم نحو اقتصاد ثلاثي القطب– اقتصادياً. تلك الأقطاب الثلاثة هي أمريكا والصين وأوروبا، وهو منحى له مقدماته حتى من قبل أزمة وباء كورونا هذا العام. ففي إطار بناء اقتصاد ما بعد كورونا تركز الصين على الابتكار والتطور التكنولوجي مع استمرار التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والسعي لمزيد من التعاون مع الاتحاد الأوروبي. أما الولايات المتحدة فستسعى إلى تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وستسعى أوروبا إلى التوازن في علاقاتها ما بين الصين وأمريكا خاصة بعد فترة الخلل الناجمة عن سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب في السنوات الأربع الماضية.

يستند هذا التقدير من موديز على ما شهدناه من مواقف دول العالم من أزمة وباء كورونا، وبالنسبة لمؤسسة التصنيف سيكون لهذا التوجه العالمي تبعاته على التجارة وسلاسل التوريد ومعايير قواعد التشغيل والتكنولوجيا ودور الحكومات في الاقتصاد. 

ربما كانت أزمة وباء كورونا مجرد عامل تحفيز قوي لتعزيز هذا التوجه، لكن مقدماته تعود بالفعل إلى مطلع هذا القرن وتحديداً مع فترة الرئاسة الأولى للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. ففي هذه الفترة بدأ الشقاق بين ضفتي الأطلسي.

ولم يكن صعود الصين عالمياً منذ ثمانينات القرن الماضي سوى على الصعيد الاقتصادي. لكن مع بداية القرن الحالي تعزز هذا الصعود في جوانب أخرى، وإن ظلت بكين لا تسعى إلى منافسة أمريكا على موقع القوة العظمى الوحيدة . وظلت فترتا رئاسة بوش محاولة لتعزيز القطبية الأحادية، لكن ذلك التوجه خف كثيراً بفترتي رئاسة باراك أوباما إلى أن جاء دونالد ترامب. وحاولت إدارته، استعادة زخم تعزيز الأحادية القطبية وركزت في ذلك على الجانب الاقتصادي كما شهدنا فيما وصفت بأنها «حرب تجارية» بين واشنطن وشركائها. واستهدف ذلك الصين أكثر من أوروبا، لكن سياسة ترامب في النهاية زادت من ضعف أوروبا. وكان لتأثير ترامب أوروبياً نتائج أكثر ضرراً ربما مما أصاب الصين، ليس فقط بسبب تشجيع التيارات الشعبوية واليمينية المتشددة رافعة شعارات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكن أيضاً عبر محاولة استغلال التنافس في قيادة الاتحاد بين ألمانيا وفرنسا.

وإذا أخذنا في الاعتبار سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن، فالمتوقع أن تحاول واشنطن استعادة العلاقات مع أوروبا بدرجة ما. أما بالنسبة للصين، فمهما كانت مواقف إدارة بايدن، فإن تركيزها سيكون على محاولة استعادة الريادة  في التطور التكنولوجي الذي أصبح راية رئيسية للصين حالياً. أما سياسياً، فلن تكون إدارة بايدن سوى محاولة «إعادة تنظيم» العلاقات بين الأقطاب الثلاثة.

اقتصادياً، سيظل الاقتصاد الأمريكي الأول عالمياً لكن دوره كمرتكز لتطور الاقتصاد العالمي سلباً أو إيجاباً سيستمر في التراجع النسبي لصالح زيادة دور الاقتصاد الصيني والاتحاد الأوروبي. مع ذلك، سيزيد التنافس الاقتصادي بين الأقطاب الثلاثة كما سيزيد دور الدولة في الاقتصاد، خاصة في القطاعات التي تعد حساسة بالنسبة للأمن القومي وفي مقدمتها التكنولوجيا. ونجد هنا أن الصين «تسكب» طريقة إدارتها لاقتصادها على القطبين الآخرين، وإن كانت أوروبا لديها قواعد متوازنة ما بين المركزية الصينية الشديدة والليبرالية الأمريكية الشديدة أيضاً. إنما الأهم، أن أمريكا ستتجه أكثر نحو طريقة أوروبا والصين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"