عادي

قمة العشرين.. خطة شاملة لمواجهة «كورونا»

23:26 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور

قرارات بالغة الأهمية اتخذتها قمة الرياض الافتراضية لمجموعة العشرين (21- 22 نوفمبر/ تشرين الثاني)؛ لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية القاسية الناجمة عن جائحة «كورونا» التي ضربت العالم بأسره، والآثار السلبية الفادحة التي ترتبت عليها في مختلف جوانب الحياة.
وترجع أهمية مقررات القمة إلى أن مجموعة العشرين (G 20) تضم أهم الدول الصناعية الكبرى ودول الاقتصادات الناشئة في العالم، التي تسهم بأكثر من (80%) من الناتج المحلي العالمي، وأكثر من ( 75%) من التجارة الدولية.

كانت مجموعة العشرين قد عقدت قمة استثنائية - افتراضية أيضاً – في الرياض أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، في بداية استفحال تفشي الوباء؛ لاتخاذ الإجراءات الضرورية لاحتوائه، إلا أن اتساع نطاق الجائحة خلال الشهور التالية لقمة مارس، والركود العميق الذي ضرب أغلب الاقتصادات الكبرى، فضلاً عن اقتصادات الدول النامية بالطبع، والخسائر الضخمة في الأرواح، وضرورات تعزيز النظم الصحية، في كل دول العالم، وتوزيع اللقاحات - التي تم التوصل إليها مؤخراً – كل ذلك فرض على القمة الثانية ضرورة اتخاذ إجراءات أوسع نطاقاً بكثير فضلاً عن تلك الإجراءات التي اتخذتها كل دولة على حدة، وكذلك تنسيق الجهود الدولية إلى أقصي حد ممكن؛ لأن المواجهة الفاعلة للوباء لابد أن تشمل العالم بأسره.
كارثة عالمية كبرى
معروف أن التباطؤ في اتخاذ إجراءات الحظر والإغلاق الضرورية؛ لمنع انتشار العدوى بفيروس «كورونا» بدافع الحرص على تفادي الخسائر الاقتصادية، كان أهم أسباب الانتشار الواسع للوباء في عدد من الدول الأوروبية الكبرى، ثم في انتشاره بصورة كارثية في الولايات المتحدة، كما أن الضعف الذي أصاب النظم الصحية في أغلب الدول الغربية المتقدمة؛ نتيجة تقلص الإنفاق على القطاعات الصحية والاجتماعية خلال العقود الثلاثة الأخيرة؛ بسبب المد اليميني الكبير في الحياة السياسية ( ومن ثم التوجه العام لخفض الضرائب والإنفاق الاجتماعي) كان من أهم أسباب العجز عن المواجهة الفاعلة والسريعة للوباء.
وإذا كان الأمر كذلك في الدول الأكثر تقدماً وثراء، فيمكننا تصور الوضع في الدول النامية باقتصاداتها ونظمها الصحية الأضعف بكثير، ومستوى المعيشة والوعي الأقل بما لا يقاس، فضلاً عن الشفافية الغائبة، وضعف الاهتمام بصحة وحياة المواطن.
وقد اضطرت أغلب الدول – وفي صدارتها الدول المتقدمة – للجوء إلى إجراءات الحظر والإغلاق مع استفحال تفشي الوباء، وزيادة عدد الوفيات، ما أدى إلى خسائر فادحة لاقتصاداتها بمختلف فروعها، وخاصة خلال الربع الثاني من العام (إبريل/ نيسان – يونيو/ حزيران) ما دفع بهذه الاقتصادات إلى ركود عميق، وإلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بعدة نقاط مئوبة، محسوباً على أساس سنوي، على الرغم من حزم الإنقاذ الضخمة التي بلغت تريليونات الدولارات (3 تريليونات في أمريكا وحدها). كما خسر عشرات الملايين وظائفهم، وأصبح على الحكومات أن تدعمهم.
أما في العالم الثالث فالوضع أسوأ بكثير، ولم تكد الأوضاع تتحسن نسبياً خلال أشهر الصيف، حتى جاء الخريف ومعه الموجة الثانية من انتشار الوباء، لتعود إجراءات الحظر والإغلاق، ومعها المزيد من الخسائر الاقتصادية، لكن المدى الواسع لانتشار كورونا ( أكثر من 63 مليون إصابة، ونحو 1.5 مليون حالة وفاة ) جعل هذه الإجراءات لا غنى عنها، حتى في البلدان التي دافعت طويلاً عن نظرية «مناعة القطيع».
 سيف الوقت
وعلى الرغم من أن العلماء بذلوا جهوداً جبارة، وتحققت معجزة فعلية بالتوصل إلى لقاحات ناجعة خلال وقت قياسي، فإن اكتمال اختبارات بعض هذه اللقاحات يحتاج إلى مزيد من الوقت.. والجاهز منها للتوزيع يحتاج إلى وقت لصناعة مليارات الجرعات (نحو خمسة مليارات جرعة)؛ لأن من الضروري تطعيم نحو (70%) من سكان العالم ليصبح في الإمكان وقف انتشار الوباء، إضافة طبعاً إلى إنتاج كميات أكبر من الأدوية؛ لعلاج المصابين ومعدات الكشف والتحليل، وهذا كله أكبر من إمكانات الدول النامية، التي لابد من شمول إجراءات التطعيم والعلاج لمواطنيها أيضاً؛ لمواجهة الوباء بصورة حاسمة.
قرارات مهمة
لكل هذه الأسباب نقول إن قرارات قمة الرياض الأخيرة تتسم بأهمية كبيرة فعلاً؛ لمواجهة الأزمة، فقد كان من أهم هذه القرارات رصد (11 تريليون دولار) تقدمها دول مجموعة العشرين؛ لمواجهة الآثار الاقتصادية السلبية للوباء.
إلا أن الأمر الأهم هو إدراك المشاركين في القمة، بما فيهم الدول الغنية والأكثر تقدماً لأهمية تنسيق جميع الجهود بصورة جماعية؛ من أجل مواجهة عالمية شاملة، بما في ذلك دعم الدول النامية اقتصادياً، وفي المجال الصحي وإتاحة اللقاحات لمواطنيها.
ومن أهم هذه الإجراءات:
الالتزام بتطبيق مبادرة تعليق سداد خدمة ديون الدول النامية حتى شهر يونيو/ حزيران القادم (2021)؛ لتخفيف أعبائها الاقتصادية والمالية.
الالتزام بتقديم (21 مليار دولار)؛ لتطوير أبحاث اللقاحات، ولصناعتها، وإتاحتها لجميع دول العالم ومواطنيها، مع تأكيد أن دول المجموعة «لن تدخر جهداً»؛ لكي يتم ذلك بكُلفة «ميسورة» مع دعوة الشركات المصنعة للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات، مما يساعد على خفض ثمنها.. وكذلك الحال بالنسبة لأدوات التشخيص، والأجهزة اللازمة للعلاج، والأدوية.. على أن يتم توفير ذلك كله بصورة عاجلة.
تأكيد دعم وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة بمواجهة الأزمة، وخاصة (منظمة الصحة العالمية)، وتعزيز قدراتها على تنسيق ودعم المواجهة العالمية الشاملة اللازمة.
تأكيد عزم المجموعة على دعم الدول النامية والأقل نمواً، وخاصة في إفريقيا سواء اقتصادياً أو في المجال الصحي.
بذل كل الجهود الممكنة؛ لحماية الأرواح، ودعم العاملين في المجال الصحي، والخطوط الأمامية لمكافحة الوباء.
تقديم الدعم للفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً واحتياجاً للحماية؛ نتيجة للأوضاع الناتجة عن الأزمة وإعطاء أولوية؛ لمواجهة الآثار السلبية على سوق العمل (خلق الوظائف) وخاصة للنساء والشباب، وتقديم المساعدة للعاملين في القطاع غير الرسمي، وتخفيف آثار الجائحة على الفئات المهمشة واللاجئين.
الالتزام بتأمين شبكة أمان مالي أقوى، في القلب منها صندوق النقد الدولي؛ لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية.
ومع التأكيد في نقاط أخرى للبيان الختامي للقمة على أهمية التنمية الاقتصادية المستدامة والتنمية الشاملة والمستدامة للقطاع الصحي، وتقديم دعم من دول المجموعة لهذا القطاع؛ يمكن القول إن مقررات قمة الرياض تقدم خطة متكاملة وعاجلة من أجل مواجهة شاملة وفاعلة لوباء كورونا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"