عادي

ليبيا في كماشة الأطــمــاع الدولية

23:33 مساء
قراءة 5 دقائق
1

د.هشام بشير *

لا تزال الأزمة الليبية تراوح مكانها على الرغم من الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لحلحلتها؛ من خلال ما يتم طرحه في العديد من المبادرات واللقاءات والحوارات والمؤتمرات الدولية وغيرها، وأبرزها مؤخراً استئناف الحوار بين الفرقاء الليبيين في تونس والمغرب ومصر، في ظل تهديد أوروبي – على الرغم من استمرار تباين وجهات النظر بين فرنسا وإيطاليا في دعم بعض الأطراف الليبية - بفرض عقوبات على المعرقلين لتحقيق التسوية للأزمة التي أصبحت مثل مرض عضال.
في المغرب تشهد مدينة طنجة منذ أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي انطلاق جولة من الحوار السياسي الليبي، وحسب الإعلان المغربي يأتي هذا اللقاء استكمالاً للجهود التي تبذلها المملكة المغربية من أجل تقريب الرؤى بين الليبيين وتعزيز دور المؤسسات الشرعية من أجل تذليل الصعاب التي تقف عائقاً أمام استكمال العملية السياسية في ليبيا.
تأتي الجولة وسط أجواء من التفاؤل الحذر بعد فشل الجولات السابقة في مدينة بوزنيقة المغربية بين وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب فى تحقيق النتائج المرجوة على الرغم من حالة التفاؤل التي سادت بين الفرقاء الليبيين لبعض الوقت خاصة بعد أن استطاعت مباحثات الجولة الأولى، التي عقدت في الفترة من 6 إلى 10 سبتمبر/ أيلول المنصرم، في تحقيق اتفاق حول تحديد معايير وآليات واضحة وموضوعية لشغل المواقع السيادية، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ حيث تفجرت الخلافات بين الوفدين في الجولتين الثانية والثالثة، ما أهدر فرصة حقيقية لإمكانية تحقيق نتائج إيجابية كان يمكن أن تكون لبنة مهمة في طريق تحقيق الاستقرار في ليبيا.
الأمن القومي المصري
ولم تكن مصر غائبة عن تطورات المشهد الليبي؛ حيث أعلنت البعثة الدائمة للأمم المتحدة في ليبيا، أن الأراضي المصرية ستشهد في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري استكمال مباحثات الحوار بين الأطراف الليبية ضمن فعاليات اجتماع المسار الدستوري بشأن ليبيا التي انتهت منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالقاهرة، باتفاق الأطراف الليبية على عقد جولة جديدة من المباحثات، ومن المؤكد أن مصر تحاول جاهدة أن تجد حلاً سلمياً للأزمة الليبية التى أصبحت تهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر ومن ثم لم يكن غريباً أن يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة في 6 يونيو/ حزيران 2020 بحضور المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب «إعلان القاهرة» الذي تضمن عدداً من البنود أبرزها: الدعوة إلى وقف القتال، ورسم خريطة طريق لحل سياسي شامل لكل القوى والمكونات الليبية.
وفي تونس انطلقت الجولة الثانية من الحوار الليبي في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني بمشاركة 75 شخصية ليبية؛ تمثل مختلف أطياف الشعب الليبى؛ لاستكمال جولة المفاوضات الأولى التي انطلقت في العاشر من نوفمبر - تحت شعار: «ليبيا أولاً»؛ وذلك بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2510 ونتائج مؤتمر برلين بموافقة الفرقاء الليبيين على إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021.
وعلى الرغم من ترحيب بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بنتائج الجولة الأولى، فإن تلك الدول نفسها هددت في بيان مشترك - في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي - بفرض عقوبات على أي طرف يضر بعملية السلام الهشة، كما حثت الدول الأربع جميع الأطراف الليبية والدولية على الامتناع عن أي مبادرة موازية من شأنها تقويض الجهود التي تقودها الأمم المتحدة، كما أكدت الدول سالفة الذكر أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات ضد من يعرقلون إتمام العملية أو ينهبون أموال الدولة أو يرتكبون انتهاكات حقوقية، وقد اختتم البيان المشترك بالقول: إن الحكومات الأربع تقف إلى جانب الشعب الليبي وترفض الوضع الراهن العنيف والعسكري، وتعارض أي تدخل أجنبي من أي نوع من شأنه أن يعيق إعادة إرساء سلام دائم في ليبيا.
وعلى الرغم من أن البيان لم يذكر دولاً بعينها فإن الدول الأوروبية وفي أكثر من موضع قد وجهت أصابع الاتهام إلى تركيا وروسيا بالتدخل في الشأن الليبي وتقويض الأمن والاستقرار داخل الأراضي الليبية.
الضغط على الفرقاء
ويبدو أن هناك تماهياً بشكل عام بين موقف الأمم المتحدة والدول الأوروبية في ضرورة الضغط على الفرقاء الليبين والأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع الليبي؛ حيث أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز على هامش انعقاد الجلسة الأولى للحوار الليبي في تونس، أن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف بين الأطراف المتصارعة في 23 أكتوبر؛ ساهم في تسهيل الأجواء بين الأطراف الليبية، مؤكدة أهمية تضافر الجهود؛ للمساهمة في الوصول إلى حلول توافقية للأزمة الليبية، ولعل تصريحات ويليامز اللاحقة تصب في إطار دعم جهود الدول الأوروبية؛ حيث تأمل تلك الدول مع الأمم المتحدة أن تسفر جولة الحوار السياسي الليبي في تونس عن نتائج ملموسة، خاصة أن تلك الجولة تناقش عدداً من الموضوعات الخلافية الجوهرية بين الفرقاء؛ وأبرزها: آلية اختيار المسؤولين في الحكومة المحتملة خلال المرحلة الانتقالية، والتي ستشرف على الانتخابات، وسط خلافات حادة حول الشخصية التى ستتولى رئاسة الحكومة، والمجلس الرئاسى الجديد.
وإجمالاً يمكن القول إن الأزمة الليبية مستعصية الحلول على الرغم من الجهود الإقليمة والدولية وضغوط الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا؛ بسبب استمرار صراع الفرقاء الليبيين على السلطة والثروة وتنامي التدخلات الإقليمية – خاصة من جانب تركيا وقطر- من أجل بسط النفوذ في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي، وتزايد الأطماع الدولية في تقاسم الكعكة الليبية الزاخرة بثروات هائلة من النفط والغاز غير المستكشف، إضافة إلى الموقف الأمريكي الرخو والأقرب إلى المواقف التركية، ناهيك عن عدم وجود موقف أوروبي موحد؛ بسبب تضارب المصالح خاصة بين فرنسا التى ترى نفسها الفاعل الأوروبي الأحق بليبيا، وإيطاليا التي تمتلك شعوراً مسيطراً بأن تلك الدولة النفطية لا تزال إرثاً استعمارياً مشروعاً؛ لذلك فإن أي حل للأزمة الليبية يجب أن يستند على إدراك كامل من جانب الفرقاء الليبيين بأن الوطن أهم من المناصب الزائلة والثروة غير المشروعة، إضافة إلى أهمية تضافر الجهود الدولية، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التى لم تلعب دوراً فاعلاً حتى الآن في حل الأزمة، فضلاً عن ضرورة توحيد الجهود الإقليمية، والمشاركة الفاعلة من قبل جامعة الدول العربية، ومن دون ذلك فإن المؤتمرات واللقاءات والحوارات لن تكون سوى حرث في الماء.
* أستاذ العلاقات الدولية المساعد بكلية السياسة والاقتصاد-جامعة بني سويف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"