عادي

«الحصانة القانونية» للقاحات «كورونا».. حماية للشركات أم خفض للإصابات؟

14:32 مساء
قراءة 4 دقائق
فايزر

متابعة- علي قباجه

قطعت الحكومة البريطانية، الطريق أمام أي دعوات قضائية ممكن أن تُرفع من متضرري اللقاحات المقبلة. ولم تكن هذه الخطوة وليدة اللحظة؛ إذ سبقتها دراسات مكثفة، ليس في بريطانيا فحسب؛ بل في معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، لتفيد بأن شريحة كبيرة من الناس لا يثقون باللقاحات المكتشفة؛ مشككين في مدى فاعليتها، إضافة إلى خوفهم من آثارها الجانبية في حال تلقوا جرعتها؛ وهذا ما يعني أن شركات الأدوية ستتبدد جهودها وأموالها في معارك قضائية، إلى جانب تعميق فجوة الثقة المزعزعة أصلاً في مهد ولادتها. تقارير عدة أشارت إلى أن لجوء بريطانيا إلى منح الحصانة للشركات المصنعة للقاح، يأتي في ظل تسرعها في اعتماده، دون استيفاء الشروط الصحية الكاملة في هذا الصدد، خصوصاً بعدما وصلت أعداد الإصابات جراء «كورونا» إلى مستويات قياسية، ما يعني أن ثمة مخاطر وجود أعراض قاتلة، قد تدفع إلى خلق أزمة تجبر الشركات على وقف إنتاج اللقاحات، تزامناً مع رهبة المواطنين من تلقيها. 
وفي السياق ذاته، فقد أشارت وكالة «بلومبيرغ»، إلى أنه ربما تبدو الموافقة السريعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على لقاح لـ«كورونا» قبل الانتهاء من إجراء تجارب واسعة النطاق على المرضى، مقامرة، من شأنها أن تؤدي إلى انتكاسة واقعية لاستجابة روسيا للمرض.
لذلك وتنصلاً من أي انتكاسة مقبلة منحت الحكومة البريطانية، عملاق الأدوية في العالم- شركة «فايزر» الأمريكية- حصانة ضد أي ملاحقة قضائية قد تتعرض لها على خلفية لقاح فيروس كورونا، الذي تطوره مع شركة «بيونتك» الألمانية.
كما رفض رئيس فرع الشركة الأمريكية في لندن ذكر سبب احتياج «فايزر» إلى هذه الحماية، وأضاف أن هذا الإجراء القانوني يفتح الطريق أمام الشركة لتوزيع اللقاح في أرجاء بريطانيا كافة خلال الأسبوع المقبل، حسب ما ذكرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية، إلى جانب نقل الصحيفة عن وزارة الصحة البريطانية، تأكيدها أن الشركة الأمريكية نالت الحصانة القانونية؛ مما يعني أن أي دعوى يرفعها مرضى قد يتضررون من اللقاح لن ينظر فيها.
لكن تقرير لـ«بلومبيرغ»، ذكر أن توفير حصانة قانونية لمصنعي اللقاحات والعلاجات الطارئة يعتبر مفيداً في الحيلولة دون دخول الشركات في معارك قضائية. وقال التقرير إن حكومات العالم تبذل قصارى جهدها من أجل تمويل الأبحاث للتوصل إلى لقاح فعال وآمن ضد «كوفيد- 19» وتوزيعه على نطاق واسع بالقدر الكافي للمساعدة على وقف تفشي الوباء؛ موضحاً أن الحكومات العالمية قدمت حزماً تحفيزية للشركات، بغية تكثيف التجارب والقيام بطلب الجرعات بصورة مسبقة، والعمل على تقليل الحواجز التنظيمية أمام السوق، فضلاً عن منح الشركات المصنعة حصانة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالإصابات في المستقبل، التي عادة ما تكون عالية التكلفة بسبب الضرورة الملحة للحصول على اللقاح.
وأضاف التقرير عينه، أنه مع كل هذا وذاك وحتى في ظل تفشي جائحة «مميتة» مثل وباء «كورونا»، تبدو ثقة البشر في اللقاح ضعيفة، مشيراً إلى أن استطلاعاً أجرته مؤسسة «إيبسوس» لاستطلاعات الرأي خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/آب الماضيين لصالح «المنتدى الاقتصادي العالمي»، أشار إلى رغبة ثلاثة من بين كل أربعة بالغين في الحصول على لقاح «كوفيد- 19» في حال توفره، ما يبين أن 37 في المئة فقط لديهم رغبة قوية في ذلك، وأن ثمة نسبة كبيرة من الناس قد تلجأ إلى قضاء ينصف مناعتها في حال تعرضت لانتكاسة صحية جراء التطعيم. 
الأمر الذي دفع حكومة المملكة المتحدة إلى توسيع نطاق حصانتها القانونية الممنوحة للشركات المنتجة للقاح؛ إذ امتدت لتغطي في ظل حمايتها العاملين الصحيين البريطانيين الذين سيقدمون اللقاح، والشركات المحلية التي ستسهم في صناعته أيضاً. وفي مؤتمر صحفي، قال رئيس فرع «فايزر» في المملكة المتحدة بن أوزبورن: «نحن لا نكشف فعلياً عن أي تفاصيل حول أي من جوانب تلك الاتفاقية مع الحكومة البريطانية، وتحديداً حول بنود المسؤولية»، ما يضع الكثير من الغموض، ويعمق حالة الثقة الضعيفة أصلاً.
وعلى عكس بريطانيا، تصر المفوضية الأوروبية على أنها لن تتنازل عن السلامة، أو تغير قواعد المسؤولية؛ حيث رأت أنه من الممكن أن تبت الحكومات في دعاوى قانونية معينة. ففي الماضي، وأثناء تفشي فيروس «إتش 1 إن 1» (المعروف بإنفلونزا الخنازير) عام 2009، تحملت الكثير من الحكومات الأوروبية مخاطر مسؤولية توفير لقاحات سريعة.
كما واجهت الولايات المتحدة انعدام الثقة ذاتها، وفي خطوة هدفت إلى تعزيز ثقة الأمريكيين بسلامة اللقاحات المكتشفة المضادة لـ«كورونا»، بعدما أظهرت إحصاءات عدة نفور الشارع الأمريكي من اللقاحات إجمالاً، تطوع 3 من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية، هم باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون لتلقي اللقاحات ضد كورونا، أمام عدسات الكاميرات، وذلك بمجرد موافقة مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية عليها. وقال فريدي فورد، وهو كبير موظفي الرئيس السابق جورج بوش الابن، بحسب شبكة «سي إن إن» الأمريكية إن الرئيس بوش، أشار أثناء اتصال هاتفي مع كبير خبراء الأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، إلى أهمية توزيع اللقاح على الفئات الأشد حاجة، وضرورة التأكيد على أن اللقاحات آمنة.
وكان الدكتور فاوتشي، حذر سابقاً مما أطلق عليه اسم «مقاومة التطعيم»، وهو امتناع نسبة عالية عن الإقبال على التطعيم، وأوضح أن القضاء على وباء كورونا يعتمد على عاملين مهمين، الأول فاعلية اللقاح، والثاني حجم إقبال الناس عليه، من أجل تشكيل مناعة مجتمعية كاملة.
لكن ومع تفشي المرض، وما تبعه من تدهور اقتصادي عميق، قد تمتد آثاره لعقود مقبلة، وفشل الدول في حصر الإصابات، فإنه لم يبق خيار أمام الحكومات سوى اختيار مسار «أخف الضررين»، وهو دفع الشركات لإعلان لقاحاتها سريعاً، ومنحها حصانة مقابل ذلك.. فحماية مجتمع مقدماً على تضرر فئة قليلة من أعراض اللقاحات، وهذا ما عملت عليه بريطانيا.
ويوجد حالياً 48 لقاحاً مضاداً لـ«كورونا» في مرحلة التجارب السريرية على البشر، تنتجها العديد شركات الأدوية، لكن 11 منها فقط دخلت المرحلة الثالثة والأخيرة قبل الحصول على موافقة السلطات، وفق منظمة الصحة العالمية، منها «فايزر وبيونتيك» و«موديرنا» و«سبوتنيك في» الروسي، والمجموعة الإنجليزية- السويدية «أسترازينيكا» وجامعة «أوكسفورد»، و«جونسون أند جونسون»، وغيرها، ومن المفترض أن تحدث هذه اللقاحات ثورة تسهم في حصر المرض، في حال تمكنت الحكومات من إقناع المجتمعات بقبولها والاقتناع بها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"