مدافع الفكر بعيدة المدى

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

«الكتاب هو ذلك الشيء الذي تقرأه فتحس أنك لست نفس الشخص الذي كنت قبل قراءته». قائل هذه العبارة هو الشاعر والكاتب كامل الشناوي، ونقلها عنه يوسف إدريس في أحد مقالاته، خصصه لحديث عن كتاب أعجبه، ورأى، في ثنايا هذا المقال، أن الكتاب الذي يُغيّرنا فلا نعود بعد قراءته كما كنا قبلها، يُذكره بوظيفة الجامعة وأساتذتها، كونها منبراً للفكر.
ثمة علاقة بين الكتاب والجامعة، في تقدير إدريس، وأن بين مهام أساتذة الجامعة، إن لم يكن أهمها، تأليف الكتب التي تطلق «مدفعيات بعيدة المدى» حسب وصفه، وأن يبنوا الصناعة الفكرية والثقافية الثقيلة.
لم يقل يوسف إدريس في هذا المقال القصير ما كان متعيناً أن يضيفه، وهي إضافة ليست غائبة عن مبدع ومثقف بوزنه بالتأكيد، هي أن ليست كل الكتب أهلاً لأن تحدث تلك النقلة في أذهاننا ونفوسنا، فنشعر بعد أن ننهي قراءتها أننا بتنا أشخاصاً مختلفين، وصرنا نعرف شيئاً جديداً ونؤمن بقناعة مختلفة، وأن أذهاننا تحررت من أوهام كانت مترسبة فيها.
هناك كتب بعينها، كتب من الوزن الثقيل في المحتوى لا في الحجم، هي التي تحدث ذلك التغيير، وبالمقابل هناك كتب لا نطيق الاستمرار في قراءتها، وإن استمررنا وأكملناها لغاية من الغايات، نخرج «خالي الوفاض»، لأنها لم تضف لنا جديداً، وربما انتابنا الشعور بأننا أضعنا وقتنا في ما لا طائل من ورائه.
استدراك آخر كان على يوسف إدريس أن يقف عنده، طالما أنه شبّه وظيفة الكتاب المشعل للذهن بالجامعة وأساتذتها، هو أنه ليس كل الجامعات ولا كل أساتذتها أهلاً لأن يقوموا بالدور المرتجى، ونظرة عجلى على مخرجات كثير من جامعاتنا العربية ومستوى الأساتذة فيها كافية للبرهان على ذلك.
غاية يوسف إدريس من قوله هذا التمهيد للحديث عن كتاب عن سلامة موسى، ألّفه فتحي خليل وعنوانه: «سلامة موسى وعصر القلق»، وهو كتاب أتينا على سيرته هنا قبل نحو شهرين، ومع أن يوسف إدريس ذكر أنه قرأ معظم مؤلفات سلامة موسى، وقرأ الكثير عن عصره أيضاً، لكنه يؤكد أنه بفضل هذا الكتاب الصغير في حجمه، العميق في محتواه، استطاع أن يدرك مكانة سلامة موسى في عصره، الذي وصفه مؤلف الكتاب ب «عصر القلق».
في ذلك العصر القلق نجح سلامة موسى ومجايلون آخرون له في إطلاق مدافع الفكر بعيدة المدى، وأفلحوا في رسم خريطة للمستقبل، لو واصلنا السير عليها لوجدنا أنفسنا اليوم في موقع آخر غير الذي انتهينا إليه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"