عادي

عذب الكلام

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فواز الشعار

لُغتنا العربيةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات 

«التوشيع» في البلاغة، أن يُؤتى في عجز الكلام بمثنّى مفسَّر باسمَيْن، أحدهما معطوفٌ على الآخر، ومنهُ قولُ عُبيدِالله بنِ طاهر:

سَقَتْنيَ في ليلٍ شبيهٍ بِشَعْرِها 

شبيهةَ خَدَّيْها بِغَيْرِ رقيبِ

فما زِلْتُ في لَيَلَيْنِ: شَعْرٍ وظُلْمَةٍ

 وشَمْسَيْنِ: منْ كأسٍ ووَجْهِ حبيبِ

وقولُ البحتريّ:

لَمّا مَشَينَ بِذي الأَراكِ تَشابَهَت

أَعطافُ قُضبانٍ بِهِ وَقُدودِ

في حُلَّتي حِبْرٍ وَرَوضٍ فَاِلتَقى

وَشيانِ وَشيُ رُباً وَوَشيُ بُرودِ

وَسَفَرنَ فَامْتَلَأَت عُيونٌ راقَها

 وَردانِ وَردُ جَنىً وَوَرْدُ خُدودِ

دُرر النَّظم والنَّثر

قال الأصمعيّ: سمعتُ امرأةً توصي ابناً لها أرادَ سفراً، فقالت: أيْ بُنيَّ أوصيكَ بتقوى اللهِ، فإنّ قليلهُ أجدى عليكَ من كثيرِ عَقْلِكَ. وإيّاكَ والنّمائمَ، فإنّها تورثُ الضَّغائنَ، وتفرِّقُ بيْنَ المُحبّينَ. ومثّل لِنَفْسِكَ مِثالَ ما تَسْتَحْسُنُ لِغَيْرِك، ثمّ اتّخِذْهُ إماماً، وما تَسْتَقْبِحُ منْ غَيْركَ، فاجْتَنِبْهُ. وإيّاكَ التَّعَرُّضَ للْعُيوبِ، فتصيّرُ نفْسَكَ غَرَضاً؛ وخليقٌ أنْ لا يَلْبَثَ الغَرَضُ على كَثْرَةِ السّهامِ. وإيّاكَ والبُخْلَ بمالِكَ والجودَ بدينِكَ. فقالتْ أعرابيّةٌ معَها: أسْألُكِ إلّا زِدْتهِ في وصِيّتكِ، فقالتْ إي واللهِ، والعُذْرُ أقبحُ ما يُعامَلُ به الإخوانُ، وكَفى بالوفاءِ جامعاً لما تَشَتّتَ منَ الإخاءِ، وأنشدت: 

صافِ الكرامَ وكُنْ لعِرْضك صائناً

 واعلمْ بأنَّ أخا الحِفاظ أخوكَ

 النّاسُ ما اسْتَغْنَيْتَ أنْتَ أخوهُمُ

 فإذا افْتَقَرْت إلَيْهمُ رَفَضوكَ

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ كَمِّيّةِ المِيَاهِ وَكَيْفِيّتِهَا:

إِذا كَانَ المَاءُ دَائِماً لاَ يَنْقَطِعُ وَلا يَنْزَحُ في عَيْنٍ أو بِئرٍ: عِدٌّ. إذا حرِّكَ مِنْهُ جَانِب لم يَضْطَرِبْ جَانبُهُ الآخَر: كُرٌّ. إذا كَانَ كَثِيراً عَذْباً: غَدَقٌ. فإذا كَانَ مُغْرِقاً: غَمْرٌ. إذا كَانَ تَحْتَ الأَرْضَ:َ غَوْرٌ. إذا كَانَ جَارِياً: غَيْلٌ. إذا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأرضِ يَسْقِي بِغَيْرِ آلةٍ مِنْ دالِيَةٍ أو دُولابٍ أو ناعُورَةٍ أو مَنْجَنُونٍ: سَيْحٌ. إذا كَانَ ظاهراً جارِياً على وَجْهِ الأرْضِ: مَعِينٌ وَسَنِمٌ. إذا كَانَ جَارِياً بَيْنَ الشَّجَرِ:غَلَلٌ. إذا كَان مُسْتَنْقَعاً في حُفْرَةٍ أو نُقْرَةٍ، ثَغْبٌ. إذا أَنْبِطَ مِنْ قَعْرِ البِئْرِ: نَبَطٌ. إذا غَادَرَ السَّيلُ مِنْهُ قِطْعَةً: غَدِيرٌ. إذا كَانَ إلى الكَعْبَيْنِ أو إلى أنْصَافِ السُّوق: ضَحْضَاحٌ. إذا كَانَ قَرِيبَ القَعْرِ:َ ضَحْلٌ. إذا كَانَ قَليلاً: ضَهْلٌ. إذا كَانَ أقَلَّ مِن ذلك: وَشَلٌ وَثُمَّدٌ. إذا كَانَ خَالِصاً لا يُخَالِطُهُ شيءٌ: قَراحٌ. إذا وَقَعَتْ فِيهِ الأَقْمِشَةُ حتّى كَادَ يَدفِنُ: سُدُمٌ. إذا كَانَ لا يَشْرَبُهُ أحَدٌ مِنْ نَتْنِهِ: آسِنٌ. إذا كَانَ حَارّاً: سُخْنٌ، وشَدِيدَ الحَرَارَةِ: حَمِيمٌ.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم «دخلنا حديقةً فَيْحاءَ» ويقصدُ، ذاتَ روائحَ عَطِرَةٍ؛ واسعة، وهو خطأ، والصّوابُ أنْ نقولَ: «دخلنا حديقةً فوّاحةً، أو فائحةً». ففي صحيح اللغة: فاحَ يَفِيحُ فَيْحاً: سَطَعَ وهاجَ. نقولُ: فاحَتِ الرّيحُ الطيّبةُ فَيْحاً وفَيَحاناً: سَطَعَت وأَرِجَتْ، وخَصّ بعض اللغويين به المِسْكَ؛ وفاحت القِدْرُ وأَفَحْتُها أَنا: غَلَتْ. والفَيْحُ والفَيَحُ: السَّعَةُ والانْتشارُ. والأَفْيَحُ والفَيَّاحُ: كل موضع واسع؛ بحرٌ أَفْيَحُ بَيِّنُ الفَيَحِ: واسعٌ، وفَيَّاحٌ، أَيضاً، بالتشديد. وروضة فَيْحاء: واسعةٌ، والفعل من كل ذلك فاحَ يَفاحُ فَيْحاً، وقياسه فَيِحَ يَفْيَحُ. ودارٌ فَيْحاءُ: 

وكان أهلُ الجاهليّةِ يقولون: فِيحي فَياحِ، أي اتَّسعي.

وقال غنيّ بنُ مالك: 

دَفَعنا الخيلَ شائلَةً عليهم

وقلنا بالضُّحى فيحي فَياحِ 

أمثال العرب

 حَلَبْنا الدَهرَ أَشطُرَهُ وَمَرَّت

 بِنا عُقَبُ الشَدائِدِ وَالرَّخاءِ

وَجَرَّبنا وَجَرَّبَ أَوَّلونا

 فَلا شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الوَفاءِ

هذان البيتان قالهما عليُّ بنُ الجهْم، يدعو فيهما إلى التَّحَلّي بِخَصْلَةِ الوفاءِ، لأنّها قيمةٌ إنسانيّةٌ نبيلةٌ، وتنشر الراحة والطمأنينة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"