عادي

«الموصل» قسوة الحرب بصورة سينمائية غير منفرة

00:41 صباحا
قراءة 5 دقائق
1
1
1

مارلين سلوم
رغم كل ما أصاب السينما العالمية من ضربات وخسائر هذا العام بسبب «كوفيد-19»، إلا أن الإبداع لم يتوقف وما لم نشاهده في الصالات، وصل إلى بيوتنا عبر المنصات، لا سيما «نتفليكس» التي أصبحت تنافس بقوة وتثير الجدل باستمرار، لأن ما تعرضه لا يكون في الغالب «عادياً». وها هي تثير الجدل مجدداً بعد عرض فيلم «الموصل» الذي يعتبر أول فيلم طويل باللهجة العراقية على الشبكة، وإذا كانت هذه ميزة فيه، فإن ميزته الأكبر أننا لأول مرة نشاهد فيلماً «أمريكياً» عن الحرب في العراق لا ينتزع شرف البطولة من أبنائها لينسبه إلى جنود أمريكيين؛ هو صورة عن واقع حقيقي مرير عاشه عراقيون خلال معركة تحرير الموصل من تنظيم «داعش». فيلم سياسي إنساني واقعي، وأحد أفضل ما تم إنتاجه وعرضه عالمياً خلال 2020.

حين تفتح السينما دفاتر الحاضر وتستلهم منه قصصاً لتحولها أفلاماً تجسد بعضاً مما يعيشه أهل وطن ما، لا بد للصورة مهما اتسعت وشملت عناصر وأحداث وتجولت بكاميراتها وعاينت وتعمقت في النفوس والشخصيات، أن تأتي بأقل قدر وحجم مما عاشه وأحسه هؤلاء الأشخاص. لا بد أن يشعر المعنيون بتلك القصص أن ما يرونه على الشاشة أصغر من معاناتهم الحقيقية، وأن الشاشة لم تحتضن كل معاناتهم وأبطالهم لتحيط بكل الوقائع من كافة الاتجاهات، فتخرج إلى الجمهور ناصعة، كما كانت في ذلك الوقت وفي تلك المدينة. لذا لا بد أن تأتي الأصداء بعد عرض «الموصل» على «نتفليكس» وسرعة انتشاره على صفحات ومواقع عدة، متباينة بين مؤيد ومعارض، بين مصفق ومنتقد، لأن الفيلم لم يشمل كل الفصائل التي حاربت «داعش» ووقفت في وجهه، ولا كل ما حصل.
تشويق ومغامرات
المؤلف الأمريكي ماثيو كارناهان (كاتب أفلام «المملكة» و «أسود لحملان» أو «لايونز فور لامبز» و«الحرب العالمية زد»..)، قرر أن يخوض تجربته الإخراجية الأولى لفيلم طويل مليء بالتشويق والمغامرات، فاستلهم القصة من تقرير نشرته مجلة «نيويوركر» عام 2017، عن معركة خاضتها فرقة نينوى للتدخل السريع «سوات» ضد تنظيم «داعش»، وكان عنوانه «المعركة اليائسة لتدمير داعش». معارك تحرير الموصل التي دارت ما بين عامي 2016 و2017، لم تنحصر في الحقيقة بعدد محدود من الجنود ولا بفرقة واحدة، بل شارك فيها الشعب مع الجيش والشرطة.. إنما أراد كارناهان أن يكشف عن وجه واحد لمجموعة واحدة خاضت معركتها في يوم واحد، حيث خرجت فرقة نينوى بقيادة الرائد جاسم لتحرير أهالي وعائلات عناصر الفرقة من أسر «داعش». وقد أهدى فيلمه لأرواح هؤلاء الجنود الذين استشهدوا في سبيل تحرير الناس من «داعش»، سارداً في نهاية الفيلم قائمة أسمائهم.
عناصر الشرطة 
منذ المشهد الأول ندخل في أجواء الحرب والقتال دون أن نفهم من ضد من وما الذي يحصل، لكن سرعان ما تنقشع الرؤية وندرك أنها معركة بين عناصر من الشرطة وآخرين من «داعش»، لا تنتهي إلا بتدخل طرف ثالث يتمكن من إنقاذ الشرطيين المتبقيين، أحدهما «كاوا» (آدم بيسا) الشاب الذي فقد للتو عمه. إنها فرقة نينوى للتدخل السريع المكونة من مجموعة منشقة عن الشرطة العراقية، يقودها الرائد جاسم (سهيل دباش) الذي يبدو حاسماً سريعاً في اتخاذ قراراته والتحرك من مكان إلى آخر من أجل تحقيق هدف واحد. يضم جاسم الشاب كاوا إلى فرقته لأنه رأى فيه روح العناد والإصرار والذكاء وحب الدفاع عن الوطن وعن الحق، ولولا قتل الدواعش لعمه لما تم إلحاق كاوا بفرقة نينوى، إذ من أحد شروطها أن يكون كل عناصرها من المتضررين بشكل مباشر من «داعش» وتعرضت عائلاتهم للقتل أو الأسر والتعذيب.
من يشاهد «الموصل» يدرك أن هناك لمسة عراقية لا بد من وجودها في الفيلم، خصوصاً أنه ناطق بلهجة أهل البلد، فكيف للمخرج الأمريكي أن يتعامل مع المضمون واللهجة دون فهمها؟. من هنا جاء حضور المخرج العراقي محمد الدراجي ضرورياً، ولم نشعر بخلل أو هوة بين المضمون والصورة، ولا شعرنا بأن المخرج يتصرف من مفهومه الغربي الأمريكي للقضية العراقية، بل نقلنا إلى قلب الموصل، صوّر أشلاء المدينة من مختلف الزوايا، لم يدخل بيوت المدنيين ولم يجعلهم شركاء في البطولة، لكننا رأيناهم يهجرون بيوتهم محاولين الهرب من بطش التنظيم الذي سبا النساء وأسر الأطفال وقتل الرجال.. رأينا الأمهات والأطفال يقتلون برصاص القناصة من أجل ترويع السكان ومنعهم من ترك المدينة كي يستخدمونهم كدروع بشرية.
انحياز مقبول
الحركة في الفيلم لا تهدأ، نشعر بأننا نركض مع فرقة «سوات»، نلهث، نختبئ خلف جدران مزقتها القذائف وأخرى نخرها الرصاص، نخاف ونحزن ونبحث عن إجابة لسؤال طرحه كاوا منذ البداية على جاسم وكرره عدة مرات ولم يحصل على جواب سوى في النهاية، وهو «ما هي مهمتكم؟ إلى أين تذهبون وما الهدف؟». الجواب اكتشفه كاوا بنفسه ولن نذكره كي لا نحرق الأحداث على من لم يشاهد الفيلم بعد. لكن يمكن الاكتفاء بما قاله كاوا «أعرف أن هدفكم ليس سطحياً، وإلا لما حاربتم بشراسة».
الأكشن عالي جداً، ربما يأخذ البعض على العمل عدم شموليته لكافة الأطراف المعنية بتحرير الموصل وعدم تركيزه على المدنيين، كما العساكر والجنود، إنما الانحياز هذا مقبول ومبرر، طالما أن الكاتب والمخرج هدفه تسليط الضوء على مجموعة واحدة ممن قاتلوا «داعش» وحرروا الموصل وأهلها منه. وهدف ماثيو كارناهان واضح أيضاً ومحصور بهؤلاء المنشقين عن الشرطة المجتمعين بهدف الانتقام لعائلاتهم واسترجاع حقوقهم. والبعض أيضاً يأخذ على الفيلم تغاضيه عن تفاصيل كثيرة حصلت في الموصل، وأعتقد أن العراق كلها تستحق أفلاماً كثيرة كي نرى بعضاً من معاناتها وسنوات الحرب الطويلة فيها.
الإنتاج جيد، والتكلفة في الديكور والتصوير واضحة، علماً أن من أنتج الفيلم هما الأخوان أنتوني وجو روسو، المعروفان بإخراجهما فيلم «أفنجرز: اللعبة النهائية» لشركة «مارفل». أما بالنسبة للتمثيل، فالبطولة لمجموعة من الممثلين من مختلف الدول العربية من العراق والأردن وتونس ومصر.. سهيل دباش الممثل العراقي الذي يستحق الإشادة بدور قائد فرقة «سوات»، جاسم الحاسم شديد الدقة والانضباط، والذي يملك في نفس الوقت الحنان والعطف ويلين عند اللزوم، ومشهد إيقافه موكبه من أجل مساعدة طفلين شقيقين هو معبر جداً وقمة في الإنسانية. جاسم يضبط أعصابه ويجمع القمامة في كل مكان يحلون فيه، للدلالة على حبه للنظام والنظافة ورفضه للفوضى حتى وسط الدمار. والممثل الشاب آدم بيسا لعب دوراً مهماً أيضاً أجاد التميز فيه وإمساك الأمور ما بين الانضباط والانصياع للأوامر من جهة، والتمرد من جهة أخرى. أما الشخصية الثالثة البارزة فهي شخصية وليد وأداها إسحاق الياس ببراعة.
الفيلم يختصر مشهداً سياسياً إنسانياً، ومن المشاهد المهمة فيه، لقاء الرائد العراقي جاسم مع العقيد أصفهاني الإيراني الذي يقاتل «بسلاح أمريكي»، ويقايض الذخيرة بما فيها ال «آر بي جي» بعلب الدخان التي يحملها رجال «سوات»؛ وقول الأصفهاني «النيكوتين والسلاح يلمون شمل العالم»، ثم تعاليه على جاسم بقوله «بلدكم فقد هيبته من زمن بابل».. وأخيراً احتدام الصراع بين العراقي والإيراني على أسير من الشرطة العراقية، وحسم كاوا الكردي للأمر بقتل الأسير.
«الموصل» يحمل قسوة الواقع لكنه غير منفّر، بل من المهم مشاهدته، وتمر الساعة ونصف الساعة سريعاً، وتتمنى لو أنه أكمل أحداثه ومشيت معه مدة أطول.
 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"