عادي

مبدعون: الرواية بحث دائم عن الجديد والمختلف

23:35 مساء
قراءة 4 دقائق
2

الشارقة: علاء الدين محمود

 

تنهض العديد من الأعمال الروائية الحديثة، بل وحتى القصصية، على عملية بحث وتنقيب وغوص في الوثائق والمصادر، فهي أشبه بالعملية الأكاديمية، ولا تقتصر هذه المسألة فقط على الرواية التاريخية، أو السرد الذي يقتنص الحكايات المنسية في التاريخ، بل وأيضاً الأعمال الواقعية المتعلقة بالمكان أو الشخصية، فقد صارت القصة أو الرواية الجديدة مفتونة بعملية البحث والتقصي والاستفادة من المنهج الفلسفي «الأركيولوجي»؛ الذي ينهض على عملية الحفر في أصل الظاهرة من أجل الإحاطة بها لمعرفتها وتفسيرها وفهمها، ولكن إلى مدى يصلح هذا المنهج في صناعة عمل إبداعي تتوفر فيه المتعة والجمال؟، ألا ينطوي على كثير من الصرامة والثقل إلى درجة تقديم مادة جافة وغير رشيقة وصعبة على الفهم؟، أم أن التطور في اتجاه البحث عن الحقائق يفرض أساليب تقترب من الطرق العلمية؟ حيث إن الرواية باتت مهمومة بالبحث وتوظيفه في ثنايا السرد ومنحنياته وتعرجاته.
«الخليج» وضعت سؤال البحث والتقصي في الرواية أمام عدد من المبدعين الروائيين.
الروائية ريم الكمالي، شددت على أهمية البحث بالنسبة للأديب، فهو مَعني بما في السرد من زمن وأدوات، لكن تبقى الرواية فناً لغوياً، فمن شروطها الحبكة والمعضلة والتوتر والتشويق والمتعة، إلى آخره، ولابد أن تكون تلك الأدوات المادية مناسبة للمكان والأحداث، وبالتالي فإن فحص المعلومة ضروري لجعل الرواية الخيالية واقعية لا أكثر.
وأكدت الكمالي ضرورة ألا يكون استخدام البحث في العمل السردي جامداً، وعلى الروائي الباحث ألا يقع أسير بحثه فقط، فالرواية في أصلها عمل إبداعي يعتمد على الخيال، والذي هو عملية شديدة الأهمية للكاتب والقارئ، بالتالي يصبح من الضروري توظيف البحث في خدمة الخيال واللغة والحبكة وبقية فنيات السرد من أجل صناع عمل يحتفي بالجمال ويوفر المتعة.
وأوضحت الكمالي، أنها قد اطلعت على العديد من الأعمال الروائية التي تقوم على البحث، وقد لاحظت أن تلك الأعمال قد غاب عنها عنصر المتعة والتي تعد مسألة ضرورية في العمل الروائي والقصصي، سواء كان العمل سوداوياً أو كوميدياً أو درامياً، فالرواية في أساسها تحليق في عوالم من المتعة بما يشبه الحلم، ثم عودة للواقع.
 تحفيز الخيال
وذكرت الكمالي، أنها قد خاضت تجربة البحث من خلال روايتها «سلطنة هرمز»، وذلك عندما قامت بتوظيف واستخدام أدوات القرن الـ16، في الرواية، لكنها تشدد على أن عملها رواية وليس عملاً تاريخياً، فالرواية تقوم على شخوص وروح وخيال، حيث إن البحث يقوم على تحفيز الخيال، ولا يفرض نفسه كبديل له.
أما القاص والروائي عبد الرضا السجواني، فقد أكد أهمية البحث بالنسبة للعمل السردي، حيث إن ذلك الأمر تفرضه الكثير من الأشياء من ضمنها الحياة العصرية الراهنة والمتطورة التي يعيشها الفرد في المجتمع، حيث إن محاصرة الحياة للأفراد تجعل هنالك ضرورة لعملية البحث والتنقيب في الأعمال السردية، بحيث لا يقتصر ذلك الأمر على الأعمال التاريخية فقط، بل وكذلك الواقعية والراهنة، حيث إن الشخصيات نفسها تحتاج إلى تنقيب يبحث في أصلها وجذورها، يجلب ماضيها السحيق عبر التفاتة «الفلاش باك»؛ أي الارتداد عبر الزمن، وكذلك التنقيب عن المكان وأصله والمتغيرات التي طرأت فيه.
ويرى السجواني، أن هنالك شخوصاً قديمة صارت اليوم تلفت الانتباه، وذلك للمكانة التي وصلت إليها، أو لتأثيرها في الناس، فيتناولها الروائي أو القاص في عمل سردي، بالتالي يصبح من الضروري التنقيب عن جذور أصالتها ومعدنها، فهنالك أشياء في السرد وفي ثنايا السرد تعلق بالجذور والحياة السابقة.
وذكر السجواني، أن الأديب أصبح يلجأ اليوم للبحث، وذلك لأن الرواية صارت تنهض بعملية الوعي بسبب تطور المجتمعات، بالتالي صار البحث شبه الأكاديمي مهماً جداً وخاصة مع تطور التقنيات التي سهلت من مهمة التقصي من أجل إنجاز مشروع روائي قوي ومختلف، فالرواية يجب ألا تكون مجرد تكرار لما سبق، بل يجب أن تطرح شيئاً جديداً. 
تايتانيك الأحلام
وأوضح السجواني أنه قد خاض عملية البحث من خلال عمله «تايتانيك الأحلام»، التي تدور قصتها عن السفينة التي احترقت وغرقت عام 1961 فاستقرت في قاع الخليج العربي وبلغ عدد ضحاياها 238 راكباً من رجال ونساء وأطفال، حيث استبق كتابة الرواية بعملية بحثية استمرت لمدة ثلاثة سنوات ونصف السنة، كوّن خلالها مادة أساسية تتضمن معلومات كثيرة، ليست عن السفينة فقط، بل وكذلك عن الشخوص والوقائع والأمكنة، وهو الأمر الذي سهل من كتابة الرواية. 
وأكد السجواني ضرورة توفر المتعة والجمال في السرد، فهنالك الكثير من الأعمال القصصية والروائية التي نهضت على بحث، ولكنها جاءت جافة تفتقر إلى الإبداع والجمال، فالبحث وحده لن يصنع عملاً سردياً مميزاً على مستويي الجمال والموضوع.
وشدد السجواني، على أن البحث يعد ضرورياً بالنسبة للقصة، والقصة القصيرة، والقصة الومضة، وكل أشكال فن القص؛ إذ إن عملية التكثيف والاختزال، يجب أن يقف وراءها بحث مضنٍ يشمل الشخوص والوقائع والأمكنة، والبحث هنا، هو أداة ومنهجية الكاتب المتمرس المبدع الذي يملك كل تفاصيل القصة والرواية.
البحث التاريخي
ومن جهته أكد الناقد صالح هويدي، صحة ما ذهب إليه الكثيرون من أن الرواية العالمية صارت تتجه نحو الاشتغال على مسألة البحث التاريخي والحفر في مسائل تفصيلية شبيهة بمهمة الباحث الأكاديمي، فذلك الأمر هو جزء من متغيرات السرد العالمي في مرحلة الحداثة.
ويرى هويدي، أن مثل هذه الاتجاهات مرتبطة بالتجريب في أساليب جديدة، وهي مسألة لا تتوقف، ويطرح هويدي سؤالاً وهو: هل يمكن أن يتم تقديم تصورات حول ما ينبغي للروائي أن يسلكه؟ ويجيب هويدي بالقول: «مثل هذه الأسئلة لم يعد لها مكان، لأن السرد كإبداع هو في بحث دائم عن الجديد والمتغير، ربما لا تعجبنا أو لا تروق لنا الرواية الناتجة عن عملية البحث، لكنها رؤية فنية لمبدع اقتضتها ظروف تاريخية وبيئات ثقافية، غير أن ذلك لا يعني التوقف عن طرح الأسئلة على شاكلة: أين الإبداع، ولماذا يقوم كل من الروائي والقاص، بمزاحمة المؤرخ بمثل هذه الأعمال التي قد لا تتفق مع نظرية جماليات الإبداع التي ألفها الناس؟. ويؤكد هويدي أن المبدع لا يهتم بمثل هذه الأسئلة التي تثار في وجهه، فهو مشغول باكتشاف متغيرات جديدة، غير أن من حق المتلقي أن يكون له كلمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"