عودة المخاطر

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

رغم أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب ما تبقى من قوات أمريكية في الصومال يأتي ضمن تسريع إدارته سحب أكبر قدر ممكن من القوات الأمريكية في الخارج قبل رحيله عن البيت الأبيض في 20 يناير القادم، إلا أن ما يتعلق بإفريقيا عموماً يختلف عن سحب القوات من أفغانستان والعراق أو حتى ألمانيا.

 صحيح أن عدد القوات الأمريكية في الصومال أقل من ألف، لكنها تلعب دوراً مهماً في مواجهة «حركة الشباب» الإرهابية وتعادل إلى حد ما النفوذ التركي الداعم لتلك الجماعات في القرن الإفريقي انطلاقاً من الصومال. وحتى ما يحاول جنرالات وزارة الدفاع عمله لتنفيذ أمر الرئيس بنقل بعض القوات إلى كينيا المجاورة لن يكون له ذات الأثر مثل وجود القوات الصومال.

 والواقع أن الإدارة الأمريكية منذ العام الماضي تعمل على تقليص قوة (أفريكوم) في أماكن عدة تنشط فيها الجماعات الإرهابية التي اكتسبت زخماً كبيراً بالدعم التركي/القطري في السنوات الأخيرة خاصة عبر ليبيا. ففي العام الماضي قررت واشنطن تقليص القاعدة الجوية لأفريكوم في النيجر بحجة أنها تكلف نحو 100 مليون دولار. كانت تلك القاعدة في النيجر منطلق المسيّرات (الدرون) الأمريكية التي تستهدف عناصر الجماعات الإرهابية التابعة للقاعدة و«داعش» حتى جنوب غرب ليبيا.

 ومع زيادة نقل تركيا/أردوغان للعناصر الإرهابية إلى ليبيا وتشجع تلك الجماعات وزيادة أعمال القتل والنهب والتخريب في منطقة جنوب الصحراء كلها وخاصة في منطقة الساحل وعبر إفريقيا من مالي إلى بوركينا فاسو كان يفترض أن تعزز واشنطن قوة «أفريكوم» لا أن تقلصها. لكن الواضح أن واشنطن تنسحب من مواجهة الإرهاب عموماً.

 ربما يمكن القول إن المد الإرهابي في العراق وسوريا تراجع بما يبرر القرارات الأمريكية. لكن هذا التراجع في منطقة الهلال الخصيب قابلة تصعيد غير مسبوق في إفريقيا لا يقتصر على ليبيا إنما ينتقل منها في جنوب الغرب وفي الشرق وجنوبه حتى القرن الإفريقي. بل إن تلك الجماعات أصبحت قوية وناشطة في الساحل الشرقي جنوباً حتى موزمبيق وتهدد بشكل مباشر مصادر الغاز هناك.

 صحيح أن الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بالقارة الإفريقية تشهد تراجعاً منذ ما قبل فترتي رئاسة باراك أوباما. وصحيح أيضاً أن اهتمام إدارة أوباما بإفريقيا كانت «مجرد كلام» أكثر منها إجراءات عملية. وتركت الولايات المتحدة القارة السمراء للنفوذ الصيني المتصاعد والذي يلقى قبولاً لدى القادة الأفارقة لحرص بكين على عدم إثارة أي قضايا سياسية أو حقوقية أو غيره، وإنما التركيز على الاقتصاد والتجارة والاستثمار.

 وفتح ذلك الباب أمام أردوغان لمحاولة نيل نصيب من «كعكة» إفريقيا لصالح شركات ورجال أعمال دائرته الضيقة في حزبه. وبلغ ذلك التغلغل التركي ذروته في فترتي رئاسة أوباما. ثم جاء دونالد ترامب ولديه أولويات أخرى غير التركيز على إفريقيا.

 ومع أن كل تلك الجماعات الإرهابية، في إفريقيا وغيرها، خرجت من عباءة تنظيم الإخوان الإرهابي إلا أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة ينظرون للإخوان والأحزاب المرتبطة بهم على أنهم «تيار سياسي» يجب التعامل معه. ولم تفلح إدارة ترامب، رغم جهودها في الحرب على الإرهاب، في حظر تنظيم الإخوان باعتباره جماعة إرهابية. لكن الانسحاب المتواصل أمام عودة المخاطر الإرهابية، بما وراءها من دعم تركي، يمهد لعودة التصعيد مع دخول إدارة ديمقراطية جديدة إلى البيت الأبيض.

 لذا، ينظر إلى سحب القوات الأمريكية من الصومال في سياق استمرار تراجع الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب والذي يخشى أن يتعزز مع رئاسة جو بايدن. وإذا كانت أولويات السياسة الخارجية للإدارة الجديدة هي الصين وروسيا من ناحية والتعاون مع أوروبا من ناحية أخرى فإن ترتيب إفريقيا في تلك الأولويات سيأتي متأخراً جداً. أضف إلى ذلك أن سياسة التحالفات والتغييرات التكتيكية قد تضعف الحرب على الإرهاب بشكل عام وتعيد إحياء مطامع القوى الداعمة لها مثل تركيا. وسيعني ذلك أن واحدة من بؤر تجمع الإرهاب، وهي ليبيا، ستعود إلى المربع الأول على طريقة إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون. ولا يمكن التعويل على دور أوروبي يسد هذا الفراغ في مكافحة الإرهاب في إفريقيا. وباستثناء الدور الفرنسي النشط في الحرب على الإرهاب في دول الساحل والصحراء ليس هناك ما يحد من عودة المخاطر سوى دور للقوى الإقليمية لتتصدى لهذا الخطر وتعوض هذا التراجع الغربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"