عادي

رفـع الصــوت عنـد قــراءة القـــرآن

23:29 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

قال لي بعضهم: هل يجب أن أرفع صوتي بالقرآن عند التلاوة؟ وقد سألت أحد المشايخ فقال: لا يجوز أن تقرأ القرآن بصوت خافت.
قلت له: قراءة القرآن لا شك في أنها تختلف عن سائر القراءات الحرة في الكتب أو الصحف، قراءة القرآن عبادة، والإنسان يريد من عباداته أن يكتسب الأجر، والأجر على قدر المشقة.
كما أن قراءة القرآن لها أماكن، فمن يقرأ القرآن في المسجد، غير الذي يقرأ في البيت، لذلك فإن على المسلم أن يراعي الحال التي هو فيها أو عليها، فإذا كان الرجل في المسجد فلا يجوز له أن يقرأ بصوت عالٍ، فإذا رفع صوته شوّش على المصلين، أو شوّش على غيره من الذين يقرؤون القرآن في المسجد، والحديث يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه».
وإذا كان في بيته يقرأ القرآن فله أن يقرأ بصوت عالٍ، ويعطيه حقه من حيث مراعاة أحكام التجويد، ورفع الصوت، والقراءة على طهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، والجلسة اللائقة بمقام القرآن الكريم.
وفي مجال تحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم نقرأ مثل حديث الدرامي رحمه الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً». وبالمناسبة فإن القراءة بالألحان جائزة ما لم يبالغ في التحسين، ففي الحديث: «اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق». (الحديث رواه الطبراني والبيهقي).
وفي رفع الصوت وخفضه في قراءة القرآن، نقرأ أكثر من حديث. ففي الصحيحين: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن»؛ أي يجهر به. فمن مثل هذا الحديث استنبط الفقهاء رحمهم الله أن رفع الصوت في قراءة القرآن مشروع؛ بل مستحب.
ووردت أحاديث نبوية أخرى أيضاً مثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسر بالقرآن كالمسرّ بالصدقة». (رواه أبو داوود والترمذي والنسائي). ومن مثل هذا الحديث يفهم أن رفع الصوت بالقرآن، جائز، وليس بواجب، ويقول الإمام النووي رحمه الله: «والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل، حيث خاف الرياء أو تأذى مصلون أو نيام بجهره، والجهر بالقرآن أفضل في غير ذلك».
وبعد هذا العرض نجد في نصوص الشريعة الإسلامية ما يؤيد القول بإخفاء القراءة وعدم رفع الصوت، وقد ورد مثل ذلك بسند صحيح كما رواه أبو داوود في سننه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: «ألا إن كلكم مناج لربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة».
ومثل هذا الحديث وغيره يعطينا مرونة في التعامل مع المواقف والمصالح، فالدين الإسلامي لم يأت معوقاً للحياة؛ بل منظماً وميسراً، لكن رغم أن الدين لا يعارض استخدام العقل، إلا أن هناك خطوطاً حمراء يجب ألا نتعداها، فالرسول وهو رسول من الله لم يكن يعرف من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وفي كثير من المواقف لم يكن يبين لصحابته السبب، مثل «صلوا كما رأيتموني»، و«خذوا عني مناسككم»، وتقبيله للحجر الأسود، لماذا؟ لأن كثيراً من الأمور تعبدية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"