التحول الأوروبي والقرار الإيراني

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

على مدى عامين تقريباً، تمايز الموقف الأوروبي وتحديداً موقف الدول الكبرى الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي الإيراني: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكا الأوروبية) عن الموقف الأمريكي بالنسبة لإيران في محطتين. الأولى عندما نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديده بالانسحاب من الاتفاق في أغسطس/آب عام 2018. رفضت دول «الترويكا» الأوروبية هذا الانسحاب واعتبرته تجاوزاً لقرار دولي صدر بهذا الخصوص، وأكدت التزامها بالاتفاق، ورفضت عودة العقوبات الأمريكية ضد إيران، لكنها لم تستطع تحدي هذه العقوبات؛ الأمر الذي أساء إلى علاقتها بإيران، ما دفعها إلى إنهاء التزامها بالاتفاق إذا لم تحترم الأطراف الأخرى التزاماتها.

أما المحطة الثانية فكانت الرفض الأوروبي لسياسة الإدارة الأمريكية الرافضة لإعادة تمكين إيران من استيراد الأسلحة، ابتداء من أكتوبر/تشرين أول 2020. الدول الأوروبية الثلاث رفضت الدعوة الأمريكية تلك من منطلق أن الولايات المتحدة، بانسحابها من الاتفاق النووي، لم تعد طرفاً فيه، ولم يعد مشروعاً مطالبتها بتوقيع عقوبات على إيران، منصوص عليها في الاتفاق.

الآن يبدو أن دول «الترويكا» الأوروبية باتت مقتنعة بأنها على أبواب مقاربة جديدة مع الولايات المتحدة، بعد رحيل إدارة ترامب ومجيء إدارة جديدة برئاسة جو بايدن، الذي كان شريكاً في إدارة الرئيس باراك أوباما، كنائب للرئيس؛ مقاربة من شأنها استعادة التفاهمات الأوروبية الأمريكية حول معظم هذه الملفات، وفي القلب منها ملف الاتفاق النووي الإيراني.

هذا الإدراك تزايد ثقله على ضوء تطورين مهمين، وفرض على الأوروبيين إجراء مغازلة للإدارة الأمريكية الجديدة، وطرح معالم أو اجتهادات لمبادرة وتفاهمات مشتركة أوروبية أمريكية بخصوص الاتفاق النووي الإيراني.

 التطور الأول هو اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، رئيس منظمة الأبحاث والإبداع بوزارة الدفاع الإيرانية، وتحميل إيران رسمياً ل«إسرائيل» مسؤولية هذا الاغتيال، وتهديدها بالانتقام. كان رد الفعل الأوروبي المباشر، وخاصة الألماني على لسان وزير الخارجية هايكو ماس، هو مطالبة إيران بالهدوء وإعطاء الأولوية لإيجاد فرصة تفاهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، تعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق، أما التطور الثاني فهو كشف الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن معالم جديدة لرؤيته للتعاطي مع ملف الاتفاق النووي الإيراني، تختلف عما كان قد عبر عنه في مقال نشرته «سي إن إن» في سبتمبر/أيلول الفائت، قال فيه إنه «سيعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في حال عودة إيران إليها»، لكنه تراجع جزئياً عن هذا الرأي في لقاء مع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، سأله فريدمان عما إذا كان لا يزال متمسكاً بمقاله في «سي إن إن» فأجاب: «سيكون الأمر صعباً، لكن نعم». 

وقال إن واشنطن «ستعود إلى الاتفاق لنقطة انطلاق لمفاوضات مكمِّلة إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم». البعض تصور أن هذه الإشارة تحمل دعماً لجناح المعتدلين في إيران الذين يحاولون التهدئة، وتجنب رد الفعل الانتقامي لاغتيال العالم النووي، لكن بايدن أفاض في توضيح معالم رؤيته، وتولى الإعلام الأمريكي الداعم له، إبراز هذه الرؤية الجديدة المخالفة والمتعارضة مع ما تأمله إيران وتنتظره من إدارته.

فقد تضمنت هذه الرؤية تأكيد أن مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي ستتناول عدة مواضيع أبرزها ضمانات مؤكدة تحول نهائياً دون امتلاك إيران لسلاح نووي، وتفكيك برامج الصواريخ الباليستية، وإشراك دول أخرى إقليمية في المفاوضات الجديدة، وإلزام إيران بالتوقف عن سياستها الإقليمية ووقف الدعم السياسي والعسكري والمالي لكل أذرعها العسكرية الحليفة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

الأوروبيون أسرعوا إلى التجاوب مع هذين التطورين حسب ما عبر عنه هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، بمطالبته إيران بالاستعداد للدخول في مفاوضات جديدة.

التحرك الأوروبي أخذ خطوة أخرى إلى الأمام في هذا الاتجاه، بإصدار بيان ثلاثي ألماني فرنسي بريطاني، قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في فيينا، الاثنين الفائت، تم الإعراب فيه عن القلق من القانون الصادر عن البرلمان الإيراني الذي من شأنه توسيع نطاق البرنامج النووي.

تحوّل من شأنه محاصرة المعتدلين في السلطة الإيرانية، فضلاً عن أنه يحمل إشارة للمتشددين بعدم جدوى المراهنة، لا على موقف أوروبي مساند، ولا على إدارة أمريكية جديدة؛ لأن المؤشرات الجديدة تكشف انتكاسة في الالتزامات الأوروبية، ونكوصاً مبكراً للرئيس بايدن عن وعوده السابقة بالعودة إلى الاتفاق النووي وإنهاء العقوبات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"