تحديات وفرص الاقتصادات الخليجية بعد الجائحة

01:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
مجلس التعاون الخليج

د. محمد الصياد*

لقد بات في حكم المؤكد أن تدفع تداعيات الأزمة العالمية التي سببتها جائحة كورونا، كافة بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، للبحث عن أفضل وأسرع وأنجع وأفعل الطرق لاستعادة تعافي اقتصاداتها بشكل كامل، ما أن ينقشع كابوس الفيروس. وبالنسبة لنا في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن جائحة كورونا بقدر ما خلقت لنا تحديات اقتصادية ومالية غير مسبوقة، فإنها يمكن أن تجعل من هذه التحديات، فرصاً، ليس فقط «للتخارج» من دوامة هذا الكابوس، وإنما لابتداع خطوط إنتاج «مادية وخدمية» في اقتصاداتنا، سواء من وحي الممارسات الاقتصادية والتجارية التي أنتجتها الجائحة، أو تلك التي يمكن استنباطها من البيئة الاقتصادية المحلية والعالمية التي أشاعتها.

إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي فرضت نفسها كإقليم اقتصادي متصل جغرافياً، أو ككتلة اقتصادية مترامية الأطراف، في تسعينات القرن الماضي، شهدت تحولات وتغيراً في التموضعات والطاقات الاقتصادية بسبب الأوضاع الجيوسياسية التي مر بها عدد كبير من بلدانها، إلى جانب عديد الأزمات والكوارث التي مرت بها المنطقة. هذا التغير تمثل في ظهور بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ككتلة عربية وحيدة لا تزال تحافظ على تجانسها وتوازنها وانتظام دوراتها الاقتصادية، ودوراتها الحياتية بوجه عام، وهو ما يؤهلها لأن تستثمر هذه الميزات في التنافس والتكالب الذي سيندلع بعد انتهاء الجائحة بين مختلف دول العالم، لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (وكذلك الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة الموظفة في القطاعين المالي والمصرفي)، باعتبار ذلك أحد أبرز أدوات إعادة تحفيز وتشغيل الاقتصادات الخليجية بوتائر نموها المعتادة، وهي الواقعة في منطقة الوسط بين النمو الجامح والنمو الخفيض. فدول مجلس التعاون تتوفر  من بين سائر إقليم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا  على ما تسمى حزمة مناخ الاستثمار، حيث عملت دول المجلس لسنوات على تأمين هذه الحزمة التي تتضمن أكثر من 20 مؤشراً تمثل مقومات جذب الاستثمار الأجنبي، بما فيها البنية التحتية العالمية المستوى، من مطارات وموانئ وطرق سريعة، ومرافق لوجستية وخدماتية، ونظم اتصالات، والتسلح بآخر مخرجات علم تكنولوجيا المعلومات والبيانات، بما في ذلك تكنولوجيا الجيل الخامس، وليس انتهاء بامتلاك بنية قانونية وتشريعية معاصرة ومواكِبة، وإدارة محسوبة لأدوات السياسة النقدية، نجحت في السيطرة على مؤشرات التضخم النقدي.. إلى

غير ذلك من عناصر حزمة مناخ جذب الاستثمار الأجنبي. 

وبالمقابل هناك تحديات قائمة تواجه دول المنطقة، بما فيها البلدان الخليجية التي حصلت على امتياز تلك المقومات، وعلى رأسها الانحسار الكبير في أسعار النفط الذي يعني انحسار الإيرادات التي تمول، عبر الموازنات العامة، مصدراً مهماً من مصادر الإنفاق العام، في وقت خسرت فيه الميزانيات الخليجية أكثر من 50% من إيراداتها. وهذا يحيل «العجوزات» إلى معلم «شبه ثابت» من معالم الموازنات الخليجية لخمس سنوات مقبلة تقريباً، لحين عودة الدورة الاقتصادية العالمية إلى طبيعتها التي قد تستغرق عام 2021 بمجمله. 

هنا، علينا أن نأخذ في الاعتبار أننا لن نكون الوحيدين في المزاحمة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية بعد زوال كورونا، فالساحة ستكون مفتوحة. الدوما في روسيا (البرلمان)، على سبيل المثال، سيناقش مشروع قانون مطروح عليه، لجذب الاستثمارات الأجنبية بمغريات تصل إلى حد منح الجنسية بعد بضع سنوات لشريحة الاستثمار الأعلى التي تصل إلى حوالي 400 ألف دولار.

وكما رأينا، هناك قطاعات أفرزتها أزمة كورونا ينبغي التفكير فيها، خصوصاً القطاعات التي يجري فيها العمل عن بُعد، وهي تجربة أنشأت فرصاً استثمارية جديدة، منها الاستثمار في الأبحاث الطبية، والإنتاج الدوائي، إضافة إلى قطاعات أخرى موجودة قبل الأزمة مثل الذكاء الاصطناعي وضمنه إنترنت الأشياء، والرقمنة، والأتمتة. 

ويبقى الأهم الذي يجب أن توجّه إليه كل الأنظار من مسؤولين حكوميين، ورواد قطاع خاص في دول المجلس، باعتباره «الملاذ الآمن» للخروج السلس مما تخبئه الأيام المقبلة للنفط والغاز، من مفاجآت باتت إشاراتها رهناً لمن يريد التقاطها وتفادي عواقبها، ونعني بذلك الاستثمار الاستراتيجي في قطاع الطاقات المتجددة، وربط استحقاقات الوفاء بمساهماتنا الوطنية الطموحة (والتي هي التزامات في الواقع)، تجاه البروتوكول التنفيذي لاتفاق باريس للمناخ؛ أي كتاب القواعد، وصولاً إلى هدف صفر صافي انبعاثات بحلول عام 2050، وربطها بخطة تحويل اقتصادي تستهدف تغيير بنية اقتصاداتنا باتجاه تعظيم دور قطاعات الطاقة المتجددة في توليد طاقاتنا الكهربائية. 

البحرين على سبيل المثال، بإمكانها إنشاء شركة مشتركة للطاقة المتجددة، تبادر الحكومة من خلال صندوقها السيادي (شركة ممتلكات) إلى إنشائها بمشاركة القطاع الخاص.

وبموازاة ذلك، نشدد على ضرورة إيلاء أهمية استثمارية قصوى لقطاع التعليم الذي يشكل أحد المقومات الأساسية لجذب الاستثمار الأجنبي بالنسبة لبلدان العالم قاطبة، والتعامل معه باعتباره هدفاً استراتيجياً يتقدم على عديد مشاريع قطاعات البنية التحتية الأخرى على أهميتها.

*كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"