عدالة عرجاء

01:21 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

سلط فتح ملفات متعلقة بجرائم حرب في أفغانستان والعراق، الضوء على حجم التجاوزات المرتكبة في هذين البلدين، وأظهر مدى استرخاص الجيوش الغازية لحياة المدنيين، بعدما أشارت تقارير عديدة، إلى أن القوات كانت تتسلى باصطياد الأبرياء، على الرغم من عدم تعرضها لأي خطر يُجبرها على التضحية بمدنيين. 

فأستراليا اعترفت استناداً إلى تحقيق أجرته السلطات، بأن ثمة أدلة وُصفت بالموثوقة على وجود عمليات «قتل غير قانوني» ارتكبها جنودها في أفغانستان، في حين أظهرت معطيات أخرى أن بريطانيا سعت حثيثاً إلى التستر على مقاتليها الذين مارسوا عمليات تعذيب في السجون، وجرائم قتل فيها العشرات، وعلى النهج ذاته سارت الولايات المتحدة التي غضّت الطرف عن تصرفات جيشها الموثّقة بالصور في بلاد الرافدين، وما سجن «أبو غريب» منا ببعيد.

وفي محاولة لامتصاص الانتقادات، لجأ قائد الجيش الأسترالي أنجوس كامبل، إلى أسلوب الاستعطاف، من خلال الاعتذار للشعب الأفغاني عن «أي مخالفات ارتكبها الجنود الأستراليون» تسببت في ما لا يقل عن مقتل 39 أفغانياً من غير المحاربين، من بينها قضية سجين قتل لإخلاء مقعد في مروحية، أو مقتل طفل في السادسة من عمره في مداهمة منزل، مشيراً إلى أنه أوصى بمحاكمة هؤلاء الجنود بتهم ارتكاب «جرائم حرب»، بعد أن تم فصلهم من الخدمة. 

كانبرا لجأت إلى المحاسبة الداخلية لاستباق أي تحرك لإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما أكد ذلك رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ما يؤشر إلى عدم وجود جدية في إحقاق العدالة ومحاسبة المجرمين.

أما في ما يتعلق بانتهاكات الجنود البريطانيين، فقد أعلنت «الجنائية الدولية» إغلاق ملف التحقيق في ارتكاب القوات البريطانية جرائم خلال مشاركتها في غزو العراق، على الرغم من تأكيد المحكمة وجود أدلة على ارتكاب جنود بريطانيين «للعديد من الجرائم، بما في ذلك القتل والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والاغتصاب والاعتداء الجنسي» بحق سجناء عراقيين، لكن إغلاق الملف جاء بعد إعاقة وزارة الدفاع البريطانية، وبعض كبار القادة للتحقيقات في هذه الجرائم.

ويؤكد ما ذهبت إليه «الجنائية»، تحقيق أجرته «بي بي سي بانوراما» وصحيفة «التايمز»، التقتا خلاله مع 11 محققاً بريطانياً، أكدوا جميعاً العثور على أدلة موثوقة تشير إلى ارتكاب القوات البريطانية جرائم حرب، إلا أن لندن بقيت مصرّة على أن الاتهامات «لا أساس لها».

وفي السابق قررت الحكومة البريطانية إنهاء التحقيقات حول جرائم في العراق وعملية «نورث مور» في أفغانستان، بعد إيقاف عمل محامي حقوق الإنسان البريطاني فيل شاينر، الذي قدم أكثر من ألف حالة انتهاك وقتل في العراق، إلى فريق التحقيق في الاتهامات التاريخية. 

ومضت الولايات المتحدة في الركب ذاته، عندما قاضت بعض الجنود وأصدرت بحقهم أحكاماً مخففة. هذه الممارسات تؤكد أن العدالة عرجاء في هذه الدول، فبينما تتغنى بالإنسانية وتُلوِّح في كل مناسبة، بفرض عقوبات مشددة على من يتجاوز مبادئها، فإنها لا تطبق أدناها بإنصاف على من كانوا ضحايا حروبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"